ما أعاد تفجير العلاقة بين الحزب التقدمي الإشتراكي والعهد ممثلاً برئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومن خلفه التيار الوطني الحر، ليست زيارة سوريا التي أعلن عنها رئيس التيار وزير الخارجيّة جبران باسيل في ذكرى ١٣ تشرين الأول. فقبل أيام قليلة من خطاب باسيل في الحدت، صوّب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بتغريداته على العهد وباسيل تارةً تحت عنوان حريّة التعبير وتارةً أخرى على خلفيّة ملف التعيينات في تلفزيون لبنان والوكالة الوطنيّة، كل ذلك قبل الحديث عن زيارة سوريا وملف النازحين. إذاً لماذا إعادة فتح الهجوم اليوم بعد لقاء المصارحة والمصالحة في بعبدا وغداء بيت الدين العائلي الشهير؟.
" الأمر أبعد بكثير من زيارة سوريا "تجيب المصادر المطلعة على موقف الزعيم الدرزي، وتضيف" لقد طفح كيل جنبلاط مما بات يعرف بـ"التسوية الرئاسية" نظراً لتداعياتها السلبية على حزبه، ولأنها ألحقت به الكثير من الضرر السياسي لا سيما في المنطقة التي يعتبرها حصنه الإنتخابي المنيع، والمقصود هنا الشوف وعاليه".
إذاً، المسألة مسألة تراكمات دفعت بجنبلاط الى مهاجمة العهد، تراكمات أوصلت الزعيم الدرزي الى قناعة مفادها أن كل الضربات السياسية التي تلقاها في السنوات الماضية، سببها تحالف رئيس الحكومة سعد الحريري مع جبران باسيل". وفي تفصيل أوضح لهذه الضربات، تفنّدها المصادر المتابعة لكواليس المختاره على الشكل التالي:
ضربة أولى من قانون الإنتخاب النسبي، الذي أفقد الحزب الإشتراكي أحاديّة التمثيل في معقله، دائرة الشوف–عاليه، حيث خسر في المعركة الإنتخابيّة من أصل ١٣ مقعداً، 2 في الشوف، و2 آخرين في عاليه، واحد في صناديق الإقتراع والآخر بالتزكية بعد تركه مقعداً درزياً شاغراً على لائحته. حتى بين النواب التسعة الذين فازوا على لائحة الإشتراكي، هناك نائب منهم لتيار المستقبل، ونائبان للقوات اللبنانية، الأمر الذي يجعل الحصة الإشتراكية الصافية في الدائرة ٦ نواب فقط من ١٣. هذا من دون أن ننسى الرقم المرتفع جداً من الأصوات الذي حصده رئيس حزب التوحيد الوزير السابق وئام وهاب.
ضربة ثانية تلقّاها جنبلاط في تشكيل الحكومة، عندما اضطر بفعل موقف تكتل "لبنان القوي" المنسّق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على التخلّي عن المقعد الدرزي الثالث لمصلحة صالح الغريب وهو إبن شقيق شيخ العقل ناصر الدين الغريب المسمى في خلده والذي لا يعترف به جنبلاط، كل ذلك من دون أن يدعم الحريري جنبلاط في معركته هذه كما كان يحصل سابقاً.
أما الضربة الثالثة، فإرتبطت أيضاً بإسم صالح الغريب الذي تولى بموافقة الحريري وباسيل حقيبة الدولة لشؤون النازحين، وهذا ما أزعج جنبلاط كثيراً لسببين: الأول لأن الغريب مقرب من النظام السوري، والثاني لأنّ الزعيم الدرزي لمس نيّة لدى الحريري وباسيل بنقل صلاحية تلقي المساعدات التربويّة التي تأتي للطلاب السوريين من وزارة التربيّة الى وزارة الدولة لشؤون النازحين.
الضربة الرابعة جاءت أيضاً بعنوان صالح الغريب، وتحديداً عندما لاحظ جنبلاط أن الوزير باسيل أصر على تسميته في لجنة البيان الوزاري التي جرت العادة أن يقتصر التمثيل الدرزي فيها على وزير إشتراكي فقط.
ضربة خامسة تلقاها جنبلاط، وتمثّلت بتسمية باسيل حزبياً من الشوف وتحديداً من بلدة بطمة جارة المختارة، وزيراً للمهجرين إسمه غسان عطاالله، مع ما تعنيه هذه الحقيبة بالنسبة الى الحزب الإشتراكي من ثقل خدماتي عنوانه التعويضات الماليّة.
إذاً، القصة أبعد بكثير من زيارة سوريا. الرواية قصّة تراكمات وضرر سياسي، يعبّر عنه جنبلاط على طريقته، وقد تكون زيارة باسيل المرتقبة الى سوريا الحجّة التي ساعدت الإشتراكيين على رفع صوتهم أكثر فأكثر ضد العهد ووزير الخارجيّة.