منذ إعلان الحكومة التركية، يوم الأربعاء الماضي، بدء عملية عسكرية، أطلقت عليها اسم "نبع السلام"، على المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، ذات الأغلبية الكردية، في شمال شرق سوريا، تحت عنوان السعي إلى حماية حدودها الجنوبية، وتأمين عودة آمنة للنازحين السوريين، طرحت الكثير من الأسئلة حول موقف "قوات سوريا الديمقراطية"، خصوصاً بعد أن ظهر الضوء الأخضر الأميركي لتحرك أنقرة.
ضمن هذا السياق، كان لافتاً أن هذه القوات لم تكن مترددة في الإعلان مباشرة عن خياراتها، على قاعدة أن أسوأ إتفاق مع الحكومة السوريّة أفضل من الإحتلال التركي، لكن أحداً لم يكن يتوقع أن يتمّ الأمر بالسرعة التي حصل فيها، حيث تحركت قوات من الجيش السوري إلى المنطقة لتسلم المواقع الحدودية من "سوريا الديمقراطية"، بناء على إتفاق لعبت فيها روسيا دوراً أساسياً.
وتشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن حالة من الغضب الشديد سيطرت على القوات الكردية بعد الموقف الأميركي، نتيجة عملية "الطعن بالظهر" التي تعرضوا لها، لا سيما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعامل معهم بخفة غير مقبولة، من الحديث عن أنهم لم يساعدوا واشنطن في الحرب العالميّة الثانية، إلى الإعلان عن أن "كل من يريد مساعدة سوريا في حماية الأكراد هو جيّد لي، سواء أكانت روسيا أم الصين أم حتى نابليون بونابرت"، وتلفت إلى أن هذا الأمر هو الذي سرّع من وتيرة المفاوضات بين الأكراد ودمشق، خصوصاً أن هذا كان الخيار الوحيد المتاح، نظراً لغياب أيّ جهة قادرة على القيام بأي دور فاعل.
حتى الساعة، لا يمكن الحديث إلا عن إتفاق عسكري بين الجانبين بكل ما للكلمة من معنى، حيث أن صوت المعركة يعلو على أيّ صوت آخر، بحسب ما توضح المصادر نفسها، ينص على دخول الجيش السوري وسيطرته الكاملة على المساحات والمناطق الممتدة من عين ديوار شرقاً، وحتى جرابلس غرباً، على أن تناقش باقي الأمور لاحقاً بضمانة روسية، خصوصاً بالنسبة إلى مصير الإدارة الذاتية التي كانت "قوات سوريا الديمقراطية" قد أعلنتها.
من وجهة نظر هذه المصادر، بالإضافة إلى الحكومة السوريّة التي نجحت في إستعادة مناطق من دون أيّة معارك فعليّة، روسيا هي أبرز المستفيدين من حالة الفراغ التي خلّفها القرار الأميركي بالإنسحاب من سوريا، بناء على توجيهات ترامب التي تعارض توجهات الكثير من المسؤولين الأميركيين، وهي تراهن على قدرتها على إدارة الأزمة وفق مسار الآستانة، الذي يضمها إلى جانب كل من تركيا وإيران، في حين أن أنقرة ستكون مضطرة إلى مراجعة حساباتها من جديد، وهو ما ظهر من خلال تصاريح العديد من المسؤولين الأتراك، لا سيما الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أعلن أن لا خلاف مع روسيا بشأن منطقة عين العرب، بعد دخولها من قبل الجيش السوري.
إنطلاقاً مما تقدم، ترى المصادر المطلعة أنّ موسكو نجحت في إستغلال الواقع الحالي إلى أبعد حدود، وهي أقرب اليوم إلى أنقرة من الدول الغربيّة، لا سيما بعد المواقف الأوروبية المنددة بالعمليّة العسكرية التركيّة، الأمر الذي يساعدها في التوصل إلى إتفاق بين الحكومتين السورية والتركيّة ولو بصورة غير مباشرة، بالتزامن مع سعيها إلى إتفاق آخر بين الأكراد ودمشق مع تبدّل المعطيات المحيطة بالمفاوضات التي سعت إليها قبل أشهر، نظراً إلى أن الشروط التي كانت تضعها "قوات سوريا الديمقراطية" لن تكون، في المستقبل، بالسقف الذي كانت عليه سابقاً.
وتشير المصادر إلى أهمية ما أعلنه مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، يوم أمس، لناحية وجود حوار مستمر بين سوريا وتركيا، حيث تجري الاتصالات تجري عبر وزارات الدفاع والخارجية والاستخبارات، وترى أن هذا هو التحدي الأساسي أمام موسكو، وعليه رعاية التوازنات القائمة بشكل دقيق، كي لا يُدفع ثمن الإنسحاب الأميركي من سوريا.
في المحصّلة، تؤكد المصادر نفسها أن لدى الجانب الروسي فرصة سانحة لإثبات دورها بشكل أكبر، بالتزامن مع الجولة الخليجيّة التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظراً إلى أن الأتراك والأكراد لم يعودا في موقع المفاوض القوي.