ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة قداس الأحد في كنيسة القديس نيقولاوس في الأشرفية. بعد الإنجيل، ألقى عودة عظة قال فيها: "ما حصل في الأيام الماضية أحرق طرقات لبنان بعد غاباته وأحرق قلوب اللبنانيين، وعساه يحرق بعض الضمائر النائمة التي لا تأبه لا للمصلحة العامة ولا للعطية الإلهية التي نحن مؤتمنون عليها. يقول النبي داود في سفر المزامير: "إلى الله ترتاح نفسي، ومنه وحده خلاصي، خالقي هو ومخلصي وملجأي فلا أتزعزع... توكلوا عليه أيها الشعب وافتحوا قلوبكم له لأنه ملجأ لنا في كل حين... لا تتكلوا على الظلم وبالاختلاس لا تكسبوا" (مز62)".
أضاف: "مؤسف أن المسؤولين عندنا صموا آذانهم عن سماع صوت الشعب، وتجاهلوا، على مدى السنين، أوضاعه ومعاناته، ولم يعملوا على تأمين أبسط مقومات الحياة الكريمة له من ماء وكهرباء وطرق آمنة، نظيفة، لا تغزوها النفايات، إلى التعليم وضمان الشيخوخة، وقبلهما مكافحة البطالة، لكي يتمكن كل رب عائلة من تأمين لقمة العيش لأبنائه بكرامة. شعبنا تعب، إذ يرهق يوميا بزيادة ضريبية من هنا، واضطهاد قمعي من هناك. أصبح بلدنا طبقتين اجتماعيتين: الفقراء جدا أي الشعب، والأغنياء جدا أي المسؤولون، وتسألون لم يثور الشعب؟ سمعنا في الأيام الماضية مسؤولين يقولون إنه علينا أن نضحي جميعا من أجل قيام الوطن. الشعب من جهته ضحى ويضحي كثيرا، فماذا عنكم يا كبار القوم؟ هل تجرأ واحد منكم على الموافقة على إلغاء معاشات المسؤولين السابقين، كما في البلاد المتحضرة، الذين تركوا السياسة ويعملون في مجالاتهم الخاصة؟ هل أقريتم خفض أجوركم بدل تخفيض مستوى عيش المواطنين؟ يقول يشوع بن سيراخ: "لا تعتمد على مكاسب الظلم، فهي لا تنفعك في يوم الهلاك" (5: 8). بدل كاميرات مراقبة الطلاب أثناء تقديمهم إمتحاناتهم، هل تراقبون طرق الموت وتزفتونها وتنيرونها وتسدون الحفر فيها، كي لا يبكي الأهل أولادهم؟ هل تحاسبون المجرمين والقتلة الذين نسمع كل يوم عن فظائع أعمالهم؟ هل تعاقبون من يمد يده إلى المال العام؟ أو من لا يعمل ويتقاضى راتبا؟ هل تؤمنون خدمات توازي ما تسلبونه من جيب المواطن مقابل تلك الخدمات؟ وفي النهاية تطلبون من الشباب ألا يهاجروا وأن يبقوا في لبنان... لماذا يبقون في بلد يموتون فيه على الطرقات وبالسرطانات؟ شبابنا رحلوا. أصبح بلدنا كهلا. كهولنا مرضوا، أصبح دواؤهم عبءا. والباقون في الوطن يرزحون تحت رحمة من يمنع عنهم الخبز، أو يرفع ثمن بعض السلع الضرورية من أجل ربح أكبر، والدولة عاجزة، بل تعمل على سلب ما تبقى في جيوب اللبنانيين، وتفرض الضرائب على شعب معظمه عاطل عن العمل".
وقال: "الإمعان في قهر الشعب ظلم، والظلم يولد الثورة. الشعب ما عاد يحتاج إلى سلطان يملي عليه ولا إلى زعيم يقرر عنه. شعبنا الحبيب تحمل كثيرا وصمت طويلا لكنه ما عاد يحتمل أن تهضم حقوقه ويصادر قراره ويريد أن يقرر مصيره بنفسه دون إملاءات. لذا هو بحاجة الآن إلى حل جذري، إلى تصحيح السلوك السياسي، إلى قرارات مصيرية يتخذها المسؤولون لتسوية الأوضاع. يجب إعلان الحرب على الفساد والفاسدين وفضحهم ومعاقبتهم ليطمئن الشعب ويهدأ. وعوض فرض الضرائب على الشعب الموجوع، أعطوه أبسط حقوقه، وأوقفوا الهدر والسرقة ونهب المال العام، واعتمدوا الشفافية في كل أعمالكم. أوكلوا أمور الوطن لأصحاب الإختصاص، شكلوا حكومة إنقاذ مصغرة، غير فضفاضة، لتتخذ التدابير الإنقاذية اللازمة وتخلص لبنان من المأزق. أعيدوا الأموال المسروقة واضبطوا الإنفاق عوض فرض الضرائب وإرهاق الشعب الموجوع. هكذا تكون الجدية في معالجة الأمور، وهكذا يبدأ الإصلاح الحقيقي. عودوا إلى تطبيق الدستور من دون استنسابية، واحترموا القوانين والأنظمة ليحترمها الشعب مثلكم. يقول كاتب سفر الأمثال: "الشرير تطيح به مساوئه، أما الصديق فتحميه نزاهته" (14: 32)".