قبل يوم الخميس الماضي، لم يكن من المتوقع أن يخرج رئيس الحكومة سعد الحريري ليعلن عن سلّة الاصلاحات التي نجح مجلس الوزراء في اقرارها اليوم، والتي جاءت تحت ضغط التحركات الشعبيّة التي عمّت معظم المناطق اللبنانيّة، ما يدفع إلى السؤال عن الأسباب التي كانت تمنع القوى السياسية المشاركة في الحكومة عن القيام بما وعدت به سابقاً، بدل الاستمرار في التحذير من الانهيار الاقتصادي والمالي، في حال لم يتم فرض ضرائب جديدة على الفقراء وذوي الدخل المحدود.
على قاعدة أن المطلوب "أكل العنب لا قتل الناطور"، يمكن الجزم بأن الحراك الشعبي نجح في فرض برنامج اصلاحي على حكومة الحريري الثالثة، وفي توجيه رسالة إلى كل المشاركين فيها بأن الاستمرار بالنهج السابق لم يعد مقبولاً بأي شكل من الأشكال، باعتراف رئيس الحكومة نفسه الذي لم يتردد في الاعلان أن ما تحقق لم يكن ممكناً لولا التحركات الشعبية في الشارع، الأمر الذي يفرض السؤال عن الخطوات المقبلة.
من حيث المبدأ، لا يمكن تكرار الخطأ الذي ارتكب في الانتخابات النيابيّة الأخيرة، في شهر أيّار من العام 2018، عندما أعاد الناخبون الثقة بالطبقة السياسية نفسها من دون أيّ محاسبة، وبالتالي لا يمكن اليوم لمجرد الاعلان عن سلّة من الخطوات أو الوعود الاصلاحيّة منحها الثقة كاملة، نظراً إلى أن التجارب السابقة على هذا الصعيد غير مشجعة، لكن في ظل غياب البديل الفعلي لا يجب تطبيق المثل الشعبي التالي: "يلّي جرّب المجرّب بكون عقله مخرّب"، وبالتالي لا بأس من منح الحكومة الحالية ثقة مشروطة، بعد أن أربكتها التحركات الشعبيّة في الشارع وزرعت الخوف في نفوس وزرائها، على أن يبقى سيف الشارع مسلطاً على رقبتها لتنفيذ الوعود التي أعلنتها.
من وجهة نظر الكثيرين هذه الوعود قد تكون بعيدة عن الواقع، والبعض يرى أنها غير كافية، لكن في المقابل هناك من يعتبر أنه قبل أيام لم يكن من المتوقع أن يحصل المواطنون على أيّ منها، وبالتالي هي قد تكون أفضل الممكن أو أقصى ما يمكن تقديمه في الوقت الراهن، لا سيما أنّ الشارع لم ينجح في تقديم أيّ مشروع سياسي أو اقتصادي بديل، في حين طغت على المواجهة مجموعة من الشعارات التي قد تؤدّي إلى انقسامه، بدل الحفاظ على الصورة التي ظهر فيها على مدى 4 أيام، وهنا قد تكون الفرصة الأبرز، بعد التحوّل الذي حصل، عبر تحويل هذه القوة الشعبية إلى إطار يتولى تنظيم نفسه على نحو أوسع، والذهاب إلى الضغط لتحقيق المزيد من المكاسب في المستقبل.
من هذا المنطلق، قد يكون الانسحاب من الشارع هو الخطوة الأفضل الآن، قبل أن يؤدّي الاصرار على الاستمرار به إلى الانقسام في وجهات النظر، بين مؤيد لهذه الخطوة أو معارض لها، أو بين مؤيد لما قدّمه مجلس الوزراء أو رافض له، لا سيّما أن الجميع على علم بشعارات تطرح بعيدة عن الواقع، وبالتالي ليس من السهل تحقيقها، على الأقل في الوقت الراهن، خصوصاً أن القسم الأكبر من المتظاهرين هو من جمهور الأحزاب السّياسية، وهو نزل إلى الشارع، أولاً وأخيراً، بناء على العناوين الاجتماعية والاقتصادية، وما كان يجري من أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي دليل على ذلك.
في المحصّلة، الكرة اليوم عادت إلى الحراك الشعبي ليقرر ما يريده: بين الاستمرار في الشارع أو الخروج منه، لكن عند هذه النقطة ينبغي التنبّه إلى أنّ البقاء من دون جدول أعمال واضح أو لائحة مطالب محددة، يعني فتح الباب أمام استغلاله أو استثماره على نطاق واسع.