المشهد الأروع والأنقى كان الآتي:
كان الجيش مكلَّفاً إقناع الشعب المنتفض بفتح الطريق في الذوق، حصلت مواجهة بين الجانبين،
قالت مواطنة لأحد الجنود البواسل: "بسيطة، الأفضِّل لي أن أتعذَّب على أن تبكي عليك أمُك"!
تسمَّر الجندي لفترة طويلة من الوقت، وهو يبكي.
وتلاحم الجيش والمنتفضون الكثر، بعيون دامعة ملؤها التأثّر، كتفاً على كتف!
أليس هذا هو الوطن الأصيل، لبنان؟
هل هناك إثباتٌ أقوى على أن الشعبَ والجيشَ واحدٌ، أبناءُ حقٍّ واحدٍ وأملٍ واحدٍ ومصيرٍ واحدٍ؟
***
تحية لكم يا جنودنا الأبطال وللمناقبي الكبير، ابن مؤسسة التضحية والشرف والوفاء، وابن النظافة والشهامة والعنفوان،
تحية لك يا عماد الجيش، القائد جوزف عون.
أنت ابن الأرض الطيبة والناس الأنقياء،
وجيشك أيقونة على جبين كل وطني شريف،
وأنت لن تسمح أبداً بتصادم الجيش وأهله، لأنه للوطن قاتلٌ، كتصادم السمكة مع الماء!
***
قبل أيام، وقف الرئيس سعد الحريري يؤيد مطالب المنتفضين في الشارع، ويقول: " أنا لا أطلب منكم التوقف عن التظاهر والتعبير عن الغضب، أنا معكم وليتني بينكم".
إذا كان الرئيس الحريري مع المليونين، فما الذي يمنعه من النزول إليهم فعلاً والوقوف معهم والبقاء على الأرض وتحمُّل لهب الشمس وسيول المطر معهم؟
نحن في أخطر الساحات وأخطر الظروف في تاريخ لبنان؟
نقول مع المليونين من الشعب الأصيل: "الورقة الإصلاحية" زادت من نقمة الشارع ولم تجد أحداً يصدقها؟
هل يعرف دولة الرئيس كم من ملايين الدولارات كلَّفَنا التأخير في إنتاج الحل، والشلل الحاصل منذ سبعة أيام، والذي يكرّس شللاً متواصلاً من شهور وسنوات كلها هدر وفساد؟
هل من أحد يتصوَّر حجم الأزمة النقدية، لو فتحت المصارف وسوق القطع أبوابها اليوم؟ أين أصبحت العملة الوطنية التي يتقاضاها مليونا لبناني موجودون اليوم في الشارع؟
***
بعد أسبوع فقط من الانتفاضة، أصدرت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون قراراً ادعت فيه على آل ميقاتي بتهمة الإثراء غير المشروع عن طريق أموال قروض الإسكان المدعومة، وأحالتهم إلى التحقيق.
عظيم هذه البداية الجيدة بالمحاسبة.
ندعو إلى خطوات أخرى: إثنتان أو ثلاث أو أكثر بقليل في المرحلة الأولى… ثم فلتكرّ سبحة المحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة!
وهذا المطلب الأول من انتفاضة الشعب المقهور.
نموذج آخر صارخ لا يمكن إخفاؤه:
في العام 2006، وفيما كان العدو الإسرائيلي يدمِّر لبنان على رؤوسنا جميعاً، اختفت 11 مليار دولار مساعدات من خزينة الدولة اللبنانية!
تبخّرت الأموال، ولا أحد يطالب بها، فيما نذهب لنقبَّل أيادي المانحين في "سيدر"، من الشرق إلى الغرب، راجين منهم أن يقرضونا 11 ملياراً أخرى!
لا نريد أن نشير بالإصبع إلى أحد. ليس هذا من حقنا بل من حق القضاء النزيه الشفاف الحرّ من السياسة.
بضعة من حيتان المال يتم الحجْرُ على أموالهم المنهوبة، ومن ثم تأتي البقية "على رواق"..
وهل الـ100 مليار ديناً عاماً جاءت بالصدفة أم بنتاجِ أعمال الهدر والفساد المنظّمَيْن؟
***
ألف تحية إكبار لرؤساء الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والانجيلية الذين اجتمعوا في الصرح البطريركي في بكركي بدعوة من صاحب الغبطة الكارينال مار بشارة بطرس الراعي المناضل لحقوق الشعب منذ وقت تسلمه مهام البطريركية.
المجتمعون عبروا بكل كلمة صادقة ما ردده الشعب ورددناه معه من ان المسكنات لا تمر بعد الآن.
وأكدوا على مكافحة الهدر والفساد واسترداد الأموال المنهوبة بقوانين نافذة.
بعد ان اهملت الحكومات المتعاقبة منذ 30 عاماً واجباتها البديهية.
ونأمل ان يحتضن الجيش شعبه كي يعود الاعتبار الى الكفاءة والمساواة.
***
لقد أظهرت انتفاضة الشعب الحيّ انه كله أصواتٌ شجاعة ونظيفة ومخلصة وشباب يمتلكون الحق بالعيش الكريم بوطنهم.
لكن هناك أصوات النشاز من سياسيين يريدون اللحاق بالانتفاضة.
وهناك نائب حاول أن يأخذ دور البطولة في "الفيلم". فقال للناس: أنا معكم لكنني لا أستطيع الاستقالة حتى أعود إلى الشعب الذي انتخبني…
وهذا أمر مثيرٌ فعلاً… فإذا كانت هذه الآلاف المؤلَّفة من الشعب لم تنتخبه، فهل ناخبوه جاؤوا من المريخ؟
***
للتذكير أيها الشعب الأصيل، ليس هناك نِصفُ سارقٍ، أو نصف خلوق، أو نصف كفوء، أو نصف ذكي.
مليونا الشعب الطيّب المخلص، من شابات لبنان وشبابه، يعرفون من هم بالمحصلة فوق معدل الدماثة.
***
وكي تنجح أي مبادرة يجب أن تكون لها ثلاثة مرتكزات:
1- الحكمة التي تقضي باحترام عقول انتفاضة المليونين،
2- الإرادة التي تسمح بتجاوز كل التحدّيات مهما كانت صعبة،
3- التجرُّد الذي يتكفَّل بإنتاج الحل العادل و"كبش الحل"، مهما كان ذلك مؤلماً…