لفت الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب، في مؤتمر صحافي عقده في مقرّ الحزب، لمناسبة الذكرى الـ95 لتأسيس الحزب، إلى أنّ "ثمانية أيام مضت وأنتم في الشارع، تقبضون على جمر انتفاضتكم المظفرة. ثوار، ثوار، في الطرق والساحات وفي كلّ بلدان الاغتراب وعلى كل خطوط المواجهة، في الليل والنهار فتقدموا، تقدموا اليوم وقبل الغد، ولا تلتفتوا إلى الوراء. تحية إليكم أيها الأبطال الشجعان".
وركّز على أنّكم "قاومتم العدو الصهيوني وحررتم الأرض وانتصرتم، وها أنتم اليوم تتقدمون نحو تحرير اللبنانيين من الطائفية والمذهبية وتحرير المال العام المنهوب الذي سطا عليه التحالف الحاكم، تحالف الزعامات الطائفية وحيتان المال والمحتكرين وأصحاب الريوع، في كنف سلطة سياسية فاسدة أحكمت سيطرتها على البلاد والعباد منذ ثلاثين عاما". وأوضح أنّه "كما انتفضتم على الانقسامات الطائفية والمذهبية وتمردتم على زعماء طوائفكم، فلم تحملوا صورهم ولم تهتفوا لهم، بل لفظتم من أراد منهم مصادرة انتفاضتكم والمتاجرة بها وبجوعكم: فتحية إليكم أينما كنتم، شمالا وجنوبا جبلا وبقاعا وفي سيدة العواصم بيروت".
ودعا غريب، المتظاهرين إلى "المضي قدما لإعادة تكوين السلطة السياسية على أسس جديدة، بدءا من استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة وطنية انتقالية من خارج المنظومة السلطوية الحالية، وذات صلاحيات استثنائية وتكون مهمتها: إجراء انتخابات نيابية مبكرة خارج القيد الطائفي، استنادا إلى الدستور اللبناني (المادة 22)، واتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لاستعادة المال العام المنهوب، ورفع السرية المصرفية عن كل الذين تولوا مسؤولية الشأن العام، ومساءلة الذين استفادوا عن غير حق من الهندسات المالية، إلى جانب الذين تراكمت ملفاتهم في خزائن النيابة العامة المالية، وإسقاط بنود سيدر ومندرجاته، من قرارات خصخصة كل مؤسسات الدولة من كهرباء واتصالات ومنشآت نفطية، فضلا عن الكازينو والريجي وشركة طيران الشرق الأوسط وعن بيع عقارات الدولة والخطط المبيتة لتقاسم ثروات النفط والغاز، وصولا إلى وضع نظام ضريبي تصاعدي جديد يطال الأرباح الرأسمالية والفوائد والريوع والثروة".
وتوجّه إليهم قائلًا: "امضوا قدمًا لإسقاط هذه السلطة السياسية التي أوصلت البلاد إلى الإنهيار المالي والنقدي، عبر حكوماتها ومجالسها النيابية المتعاقبة، والتي ترفض أن تتحمل المسؤولية وتستقيل؛ فهي تعترف بفشلها ولكنها لا تستقيل، رغم نزول مليوني لبناني إلى الشوارع يطالبونها بالاستقالة".
وفسّر "على ماذا راهنت ولا تزال تراهن: أولا، راهنت على ورقتها المسماة إصلاحية فرفضها الشارع منذ البداية، فهي ليست سوى مصفوفة لوعود وردية و"شعبوية" جمعوها من أوراقهم المسماة إصلاحية وبالغوا شكلا في رصفها وترتيبها وتحديد جدول تنفيذها الزمني، مع العلم أن الجميع يدرك، من تجارب الحكم المتراكمة منذ عقود، أن دولتهم تفتقد إلى الأطر التشريعية والإدارية والتنفيذية والرقابية والموارد البشرية، التي تضمن الالتزام الفعلي بتنفيذ الحد الأدنى مما أغدقوه من وعود. فلا مصرف لبنان قادر فعلا على توفير المال الموعود للتخفيف من حجم خدمة الدين العام، وهو الغارق في مستنقع إدارة الأزمة النقدية المستفحلة. ولا المصارف مستعدة فعلا للاستجابة إلى التعهدات المالية والضريبية الواردة في مشروع الحكومة، وهي التي تواجه أزمة سيولة غير مسبوقة".
وذكر أنّ "ثانيًا، يراهنون على استخدام القمع والترهيب والتهديد واستخدام القوة ضد المتظاهرين الرافضين للورقة الحكومية، عبر الجيش والقوى الأمنية وميلشياتها السلطوية، كما جرى ويجري من اعتداءات مدانة ومرفوضة على المتظاهرين والمعتصمين ووسائل الإعلام، التي بدأت في بيروت وانتقلت إلى صور وبنت جبيل والنبطية وصيدا وعاليه والذوق وقرنة شهوان وغيرها من المناطق اللبنانية، هذا القمع الذي لن يزيد المنتفضين إلا إصرارا وعزما على تمسكهم بمطالبهم وبتصعيد تحركهم بكل أشكال المواجهة وسبلها، ضد هذه السلطة الغاشمة والمفلسة، والمعتدية على الحريات العامة للمواطنين، الساعية إلى إقامة دولة الفدراليات المذهبية. ففي يوم الانتصار لمدينة النبطية تحية إلى كل المنتفضين الذين تعرضوا للقمع في كل هذه المدن والساحات متمنين الشفاء العاجل للجرحى والمصابين".
وأشار إلى أنّ "ثالثًا، يراهنون على كسب الوقت لتأليب الرأي العام ضد الانتفاضة بأساليب مختلفة، عبر تصوير الأمور وكأن الانتفاضة هي التي تسبب الانهيار والفوضى وتعطيل الحياة الطبيعية في البلاد، بينما الحقيقة أن الانتفاضة هي الأمل الباقي للبنانيين للخروج من أتون النظام الطائفي، ومن خطر الانهيار والفوضى بسبب فشل السلطة السياسية ورفضها الاستقالة. فهذه السلطة هي التي اعترفت بنفسها بواقع الانهيار المالي والنقدي وهي التي قالت أنه لم يعد بمقدور مصرف لبنان إمكانية التحكم بسعر صرف الليرة، وهي التي قالت أنه لم يعد أيضا بمقدور المصارف إقراضها المزيد من الديون، وهي التي حاولت تحميل أعباء فشل سياساتها إلى أصحاب الدخل المحدود والمهمشين والمتعطلين عن العمل عبر الاستمرار في سياسة الاستدانة وزيادة الفوائد وخدمة الدين العام وفرض الضرائب غير المباشرة ورفع فاتورة الكهرباء والمحروقات وبيع مؤسسات الدولة وخصخصتها وفلتان الأسعار ورفع سعر صرف الدولار. إنها بسياساتها هذه دفعتهم دفعا للانتفاضة في الشارع المستمرة لثمانية أيام بسبب تهربها من تحمل المسؤولية وتقديم الاستقالة".
وشدّد على أنّ "رابعًا، يراهنون على ضرب الانتفاضة بحجة أن ليس لديها قيادة، وأنها مفككة ومشرذمة إلى عدة حراكات، مستخدمين بعض شركائهم في السلطة ممن استقالوا من الحكومة أو من المعارضين السلطويين لها، وكأن هؤلاء هم جزء من الانتفاضة، بينما الانتفاضة هي براء منهم ولا علاقة لها بهم. فالانتفاضة هي التي تحدد قيادتها، ومن يمثلها وعلى جميع القوى مساعدتها لا مصادرة تمثيلها، تحت مسميات مختلفة. هذا هو موقفنا ونحن ملتزمون به، وما نقوم به يصب في هذا الإطار داعين الجميع للتعاطي مع هذه المسألة بغاية المسؤولية التاريخية، علما بأن هناك لجان عمل ميدانية تشكلت من المنتفضين في كل المناطق اللبنانية، حيث يقع على عاتقها أعباء المهام التي تتطلبها الانتفاضة، موجهين التحية إلى جهود أعضائها وندعمها".
كما توجه غريب إلى المعتصمين بالقول: "أردتم في هذه الذكرى أن تحتفلوا في الشارع، وكان ذلك الشكل الأمثل للاحتفال بالعيد، فكان عيدا ولا كل الاعياد، عيدا في قلب الانتفاضة مع جماهير شعبكم. هكذا كنتم وهكذا سيبقى حزبكم، حاملا راياته الحمراء المضرجة بدماء الشهداء".