في اليوم الثامن من التحركات الشعبية في الشارع، كان اللبنانيون ينتظرون الكلمة التي أعلن أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيتوجه بها إلى الشعب، متوقعين أن تكون بمثابة خارطة طريق للخروج من الأزمة الراهنة، التي على ما يبدو باتت من دون أيّ أفق للحل.
بعد الكلمة الرئاسية، لم يكن الموقف منها موحداً، لا سيما من قبل المتظاهرين في الشارع، الذين دعاهم رئيس الجمهورية إلى الحوار معهم، في حين هم لم يذهبوا حتى الآن إلى الإعلان عن قيادة موحدة لهم أو عن لائحة مطالب يتوافقون عليها، الأمر الذي دفعهم إلى الردّ عليها بالدعوة إلى إستقالة الحكومة قبل أيّ شي آخر، مع العلم أنّ أسهم طرح التعديل الوزاري ترتفع مع مرور الوقت.
في هذا السياق، وبناءً على الدعوة التي وجهها الرئيس عون للمتظاهرين للحوار، أكد العميد المتقاعد والناشط في الحراك المدني جورج نادر، والذي كان قد تلا بيان "هيئة تنسيق الثورة"، أن "لا تفاوض مع أيّ شخصية في السلطة قبل سقوط الحكومة". وفي حديث مع "النشرة"، شدّد نادر على أن "من يقرر أن يقوم بهذه المهمّة لن يمثّل إلا نفسه، لأنّ القرار واضح بعدم الدخول في أي مفاوضات في ظل الحكومة الحالية".
أما في قراءة خطاب الرئيس، فاختلف الكثيرون في تفسيره. فأشار الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه "لم يكن يتوقع أن يتجاوب المجتجون سريعاً مع خطاب رئيس الجمهورية أو مع المبادرات السابقة التي أطلقت بعد إقرار الورقة الإقتصاديّة، نظراً إلى أنهم لا يزالون يعيشون نشوة الإنتصار، وبالتالي قد يكون المطلوب من القوى السياسية تقديم المزيد لإرضاء الشارع.
وشدّد بيرم على أنّ "عامل الوقت ليس لصالح المحتجّين، لا سيما مع بروز "الإنحرافات" التي تحصل عند مداخل العاصمة، بالإضافة إلى الإشكالات التي تقع في المناطق المسيحيّة، من دون تجاهل نقمة المواطنين في ظلّ الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة التي تلقي بظلالها على البلد"، معتبراً أن "الأمور على الأرجح لا تزال تحتاج إلى المزيد من الوقت، لكن المهمّ ألاّ يضيّع الحراك ما أنجزه من خلال الفوضى".
يوافقه الرأي الكاتب والمحلل السياسي خليل فليحان، وفي حديث مع "النشرة"، رأى أن "كلمة رئيس الجمهورية كانت منطقيّة وتتجاوب مع معظم ما يطالب به المعتصمون في الساحات المختلفة، خصوصاً بعد أن دعاهم إلى الحوار معه شخصياً"، لكنه سأل "بعد اليوم الثامن من تحركهم لماذا لا يفكّرون في تشكيل قيادة"؟، مشيراً إلى أن الرئيس عون حفّزهم على الذهاب إلى هذه الخطوة، وأوضح لهم أنّ تغيير الحكومة يفترض أن يكون وفق الأصول الدستوريّة، في حين أن محاربة الفساد تبدأ من مجلسي النواب والوزراء.
وفي حين شدّد فليحان على أنّ الحوار لا يمكن أن يكون من خلال الساحات لأنّه لن يؤدّي إلى نتيجة، لفت إلى أنّ الإصرار على البقاء في الشارع يعني أن المتظاهرين يريدون أن تبقى البلاد مشلولة، الأمر الذي سيكون له تداعيات سلبيّة على تحرّكهم، ويدعو إلى التمعّن في كلمة رئيس الجمهورية، وبعد ذلك ترفع الشعارات لأنّ القسم الأكبر منهم لم يتطلّع عليها بالشكل المطلوب.
في المقابل، لم يرَ البعض أن الخطاب الأخير سيكون له أثر على خط حلّ هذه الأزمة. فاعتبرت مصادر متابعة أن "كلّ ما يطرح من حلول من جانب السلطة، حتى الآن، لا يلبّي طموحات المتظاهرين في الشارع، لأنّه يأتي متأخراً"، لافتة إلى أنّ "هذا الأمر ينطبق حتى على الورقة الإقتصاديّة التي تقدّمت بها الحكومة".
من وجهة نظر هذه المصادر، قد يكون من المفيد البدء بالتفكير بإستقالة الحكومة الحاليّة وتشكيل أخرى مصغّرة غير سياسية، وبعيدة عن الشخصيات التي تدور حولها شبهات التورّط في الفساد، على أن تتولّى إدارة المرحلة الراهنة والإعداد لإنتخابات نيابيّة مبكرة خلال فترة محددة، بناء على قانون إنتخاب جديد يلائم الشعب اللبناني، يتولّى وضعه أصحاب إختصاص.
في المحصّلة، يبدو أنّ معظم الأفرقاء لم يتوصّلوا حتى الساعة إلى الطريق الذي يقود إلى الخروج من الأزمة الراهنة، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عمّا إذا كان الواقع الراهن سيستمر طويلاً، لا سيما أن الجميع بات يشعر بأن عامل الوقت ليس في مصلحته.