بين شعار "كلّن يعني كلّن" الذي رفعه الكثير من المُحتجّين بشكل علني، وشعار "كلّن ما عدا زعيمي" الذي يُؤمن به الكثير من المُؤيّدين للقوى السياسيّة المُختلفة، فرق كبير وشاسع. وفي كل الأحوال، إنّ الضرر المَعنوي الذي لحِق بمُختلف الأحزاب والتيّارات السياسيّة، وكذلك على مُستوى التأييد السياسي والشعبي، نتيجة الأزمة الحالية، لا يُستهان به على الإطلاق. فكيف توزّعت أضرار الإحتجاجات على القوى السياسيّة، بحسب آلاف التعليقات على مواقع التواصل الإجتماعي، وبحسب نبض الشارع وكلام المُحتجّين؟.
بداية لا بُدّ من التذكير أنّه في إنتخابات العام 2018 النيابيّة، تنافس "الزعماء" على نصف الناس إذا جاز التعبير، حيث بلغت نسبة الإقتراع 49,7 % من إجمالي عدد الناخبين. وخلال الإنتخابات المَذكورة، نالت لوائح "المُجتمع المدني"، ما مجموعه 45,104 صوتًا تفضيليًا فقط لا غير على مُستوى كل لبنان. وبالتالي، إنّ التحرّكات الشعبيّة الحاليّة في مُختلف المناطق اللبنانيّة، والتي لم تنته فُصولاً بعد، تدلّ بما لا يقبل الشكّ أنّ الكثير من الناس الذين كانوا في موقع اللامُبالاة خلال الإنتاخابات النيابية الأخيرة، نزلوا اليوم إلى الشارع، مُعتبرين أنّ الفرصة مُتاحة لصبّ جام غضبهم على مُجمل الطبقة السياسيّة والحزبيّة الحاكمة. والأكيد أيضًا أنّ جزءًا كبيرًا من مُؤيّدي وحتى من مُناصري الأحزاب والتيّارات السياسيّة، نزلوا بدورهم إلى الشارع، نتيجة الأوضاع الحياتيّة والمعيشيّة الصعبة التي يعيشونها، وبفعل نقمة داخليّة مُتفاقمة لا تستثني قيادات أحزابهم وتيّاراتهم.
ومن المُلاحظ أنّ "تيّار المُستقبل" هو في طليعة المُتضرّرين شعبيًا، من الحراك الشعبي، حيث أنّ مُناصريه ومُؤيّديه تقاسموا الساحات مع باقي المُتظاهرين، لأسباب إقتصاديّة بالدرجة الأولى، نتيجة فشله في تنفيذ أي من الوُعود التي أطلقها لناخبيه عشيّة الإنتخابات، وُصولاً حتى إلى فشله في إعطاء الموظّفين والعاملين في مؤسّساته التجاريّة والإعلامية، حُقوقهم بعد خسارتهم وظائفهم فيها! والنقمة الداخليّة على "المستقبل" تأثّرت أيضًا بالحملات السياسيّة التي تطاله، لجهة فشله في الدفاع عن حُقوق الطائفة ودُخوله في تسويات لا تستجيب لطلبات مُناصريه الذين حُقنوا على مدى سنوات طويلة ضدّ "التيّار"، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في تحالف معه، ضُدّ الحُلفاء السابقين! وخارج صُفوفه، النقمة كبيرة، باعتبار أنّ إستقالة رئيس الحكومة، يُمكن أن تُشكّل بداية للخروج من الأزمة الحالية.
بالنسبة إلى "الحزب التقدمي الإشتراكي" فهو من أكثر القوى المُحرجة حاليًا، نتيجة تخبّطه بين مواقف مُتناقضة، تتبدّل كل يوم وحتى خلال ساعات! ولم تشفع تبريرات القيادة بالتمسّك بالسُلطة لمنع إستفراد "المُستقبل" حينًا، ودفاعًا عن مصالح الطائفة الدُرزيّة حينًا آخر، في إقناع مُناصريه الذين إندفعوا إلى الشوارع، وساهموا بفعاليّات في التظاهرات، وكذلك في إقفال الطرقات في أكثر من منطقة على مداخل الشوف، ساحلاً وجبلاً–ولوّ أن البعض فسّر هذا الأمر بلعبة مُزدوجة يلعبها الحزب "الإشتراكي". وخارج صُفوف مُناصريه، تعرّض "الإشتراكي" لتهجّمات عدّة، باعتباره في السُلطة منذ عُقود، وجزء من التركيبة السياسيّة الحاكمة، ويُمارس سياسة متناقضة تتراوح بين حدّي الإقطاعيّة السياسيّة وشعارات الإشتراكيّة الشعبيّة.
في ما خصّ "الثنائي الشيعي" فإنّ الضرر الشعبي الذي لحق بقواعدهما لا يُستهان به، نتيجة الضائقة الإقتصاديّة وغياب فرص العمل بشكل يطال كل المُجتمع اللبناني. وحجم هذا الضرر هو أعلى بنسبة كبيرة في صُفوف مُناصري "حركة أمل" منه في صُفوف "حزب الله"، حيث أنّ الرأي العام في البيئة الشيعيّة يضع أمين عام "الحزب" السيّد حسن نصر الله، خارج أي شُبهة، في حين يُواجه رئيس مجلس النواب نبيه برّي حملات إعلاميّة قاسية تطاله وتطال عائلته ومُقرّبين منه. وعلى الرغم من بقاء أغلبيّة واسعة من البيئة الشيعيّة مؤيّدة للمقاومة، فإنّ تململاً واضحًا قد تنامى في صُفوف هؤلاء، على الوضع الحياتي والمعيشي، وعلى عدم تنفيذ "الحزب" وُعوده بمُحاربة الفساد. وخارج صُفوف "الثنائي"، النقمة لا يُستهان بها، لجهة تحميل "الحزب" مسؤولية دخول لبنان في مشاكل إقليميّة والتسبّب بالتالي بعقوبات أميركيّة وبردّات فعل خليجيّة إقتصاديّة، ما زاد من قساوة الأزمة.
بالإنتقال إلى حزب "القوات اللبنانيّة" فإنّ خروجه من السُلطة الننفيذيّة لم يُضف إلى شعبيّته شيئًا من خارج قواعده المعروفة، بسبب النقمة العارمة على كل الطبقة السياسيّة، من دون التوقف عند أي تفصيل، لجهة سنوات مُشاركة كلّ منها في الحُكم، أو مدى حُسن سمعة مسؤوليها، إلخ. وساهمت الحملات التي تعرّضت لها "القوات" من جانب "التيّار"، ردًا على إنخراطها المَيداني الفعّال في الإحتجاجات وفي عمليّات قطع الطرقات في بعض المناطق وفي التهجّم على العهد وعلى وزير الخارجيّة جبران باسيل، في إعادة فتح دفاتر قديمة، وفي نكئ جراح كانت "القوات" قد عملت جاهدة على مدى سنوات لطيّها. وداخل صُفوفها، ثمّة خشية من عدم توصّل الحراك الحالي لأيّ نتيجة، بسبب تخاذل كل من "المُستقبل" و"الإشتراكي" في الإستجابة لمطالب قواعدهما الشعبيّة ولمطالب جزء كبير من اللبنانيّين بالإستقالة، مع ما يعنيه هذا الإحتمال من خسارة مُزدوجة لحزب "القوات" تتمثّل بخروجه وحيدًا من الحُكم، وبتعرّضه لحملات سياسية وإعلاميّة قديمة جديدة، حيث يُطالب ناشطون بالعودة عن الإستقالة في حال فشل الحراك الحالي، منعًا لإستفراد "القوات" مُجدّدًا!.
وبالنسبة إلى "التيّار الوطني الحُرّ" فهو حاول من البداية تنزيه نفسه عن إحتجاجات الشارع، مُذكّرًا بأنّه صاحب الكثير من الأوراق الإصلاحيّة وطليعي في المُطالبة بمُحاربة الفساد والفاسدين. وعلى الرغم من أنّ تركيز الحملات الإعلاميّة على رئيس الجمهوريّة و"التيّار" ورئيسه، أثار ردّات فعل عكسيّة لدى المُحازبين والمُناصرين، لجهة الإندفاع في التصدّي لهذه المُحاولات، فإنّ الكثير من الأشخاص الذين كانوا يُصوّتون لصالح "التيّار" من دون أن يكونوا في صُفوفه، أظهروا علنًا إمتعاضهم من الفشل في تحقيق أيّ إنجازات على الرغم من الوُعود الكثيرة، ورفضوا تبريرات الصلاحيّات التي إنتزعت في الطائف، لأنّ هذا الأمر معروف وليس وليد ساعته، ولأنّ "التيّار" يتمتّع بأغلبيّة عدديّة في السُلطة التنفيذيّة، ويُمسك مباشرة بالكثير من المواقع الحسّاسة، وهو ضُمن تحالف سياسي واسع. كما أنّ عددًا من المُؤيّدين السابقين للتيار والذين نزلوا إلى الشارع حاليًا، إنتقدوا الإزدواجيّة في الخطاب لجهّة التمسّك بالتحالف مع رئيس "تيّار المُستقبل" للحفاظ على المكاسب السياسيّة، بالتزامن مع إنتقاد الكثير من رموز "المُستقبل" وإتهامهم بالفساد!.
في الخُلاصة، الأكيد أنّ كل القوى السياسيّة اللبنانيّة في وضع لا تُحسد عليه حاليًا، وبالتأكيد في حال تنظيم إنتخابات نيابيّة مُبكرة–كما يُطالب بعض المُحتجّين، فإنّها ستخسر الكثير من مقاعدها، حتى لوّ تمّت الإنتخابات وفق القانون الحالي. من هنا، إنّ هذا الموضوع غير وارد من قبلها، حيث أنّ كل الأحزاب والتيّارات تريد حاليًا تأخير موعد الإنتخابات وليس تقديمه، لأنّ أمامها الكثير من العمل لإستعادة ثقة ناخبيها بالدرجة الأولى، ولتحسين ساحتها في وجه النقمة الشعبيّة المُتفاقمة من خارج صُفوف هؤلاء بالدرجة الثانية.