لم تكن إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري وليدة ساعتها. سبق وأن هدّد "الشيخ سعد" بالقيام بهذه الخطوة منذ اليوم الأول لإنطلاق الإحتجاجات، لكنه إصطدم بحثِّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الصبر وعدم الإقدام على الإستقالة، لكن الحريري لم يتحمّل مزيداً من الضغوط فأقدم على رمي الأثقال عن كتفيه، ليتحمّلها الآخرون. وهو بذلك حاول ان يحدّ من خسائره السياسية جرّاء الأزمة الاخيرة.
كان رئيس الجمهورية ميشال عون لا يتوقّع إستقالة الحريري، حتى آخر لحظة. كان يظنّ أن رئيس الحكومة يهدّد، أو يناور من اجل فرض التعديل الحكومي لإبعاد وزير الخارجية جبران باسيل عن الحكومة، كما كان يفعل سابقاً، أو يزيد من حجم الضغوط لفرض إتفاق سياسي حول تغيير حكومي، يهدف الى إمتصاص نقمة الحراك الشعبي.
جاءت إستقالة "الشيخ سعد" لتكمل وضع لبنان أمام إحتمالات خطرة: اولاً، في حال إنزلق البلد الى الفوضى، نتيجة تفلّت الشارع، ستطلّ الفتن الطائفية والمذهبية، وهو أمر حذّر منه رئيس المجلس النيابي، قائلاً "إن ما يحصل ليس موضوعاً طائفياً وهو غير مذهبي على الإطلاق". تحذير بري جدّي ينطلق من واقع لبناني حسّاس بوجود نازحين سوريين ولاجئين فلسطينيين، تخشى القوى العاقلة في لبنان من إدخالهم على خط الأزمة.
ثانياً، من سيكون الشخص المكلّف بتأليف الحكومة؟ قد يكون الحريري نفسه، أو أسماء اخرى يبرز من بينها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، والنواب فؤاد مخزومي وعبدالرحيم مراد وتمّام سلام. توحي كل المؤشرات أن رئيس الجمهورية لن يكون مندفعاً بإتجاه إعادة تسمية الحريري الذي فاجأهم بإستقالة لا يريدها العهد. يحبّذ فريق العهد أن يكون مخزومي هو الرئيس المقبل للحكومة، رغم انه صنّف نفسه الى جانب الحراك الشعبي منذ إنطلاقته، وأبدى تجاوبه وتعاطفه مع خطوات التظاهر والإحتجاج. قد يكون مخزومي مدعوماً أيضاً من قبل النواب المستقلّين الداعمين للحراك، وهم يشكّلون له بيضة قبان. فهل أن نزول المناصرين للحريري الى الشوارع هو رسالة من "المستقبل" لفرض "الشيخ سعد" في أي معادلة جديدة؟ ربما تكون الإحتجاجات الزرقاء حصلت عن قصد سياسي أو عن غير قصد. لكن الحريري إستفاد مرحلياً فقط من وهج إستقالته، ليبقى أمر عودته الى السراي مرة جديدة غير مضمونة بعد.
ثالثاً، توحي اجواء رئيس الجمهورية أنّ ادارة الحراك ليست داخلية، بل هي خارجية، خصوصا ان بعبدا فتحت أبوابها للحوار مع قياداته، فلم تجد لهم قائدا ولا كوادر تتخذّ الخيارات والقرارات. مما يعني أن القيادات هي مخفية أو خارجية تستغل وجع الناس لفرض مخطط سياسي، وربط الحل في لبنان بتطورات المنطقة. لا فصل بين ساحات العراق وسوريا ولبنان في الأحداث والتسويات المرتقبة. مما يؤكد أن التسوية ستكون ضمن سلة إقليمية واحدة بعد حوار إيراني-سعودي، أو صفقة أميركية-إيرانية-روسية. لا أحد يستطيع تحديد المساحة الزمنية التي قد تمتد اشهراً او أبعد.
رابعاً، هل يتحمّل الوضعان المالي والإقتصادي في البلد انتظاراً طويلاً من دون حلول او بلا حكومة؟ يقول مراقبون أن أحد أهم الأسباب التي دفعت الحريري الى الاستقالة هي الصعوبة الإقتصادية من دون وجود أفق ولا رعاية دولية، الى حد أن انباء تحدّثت عن تملّص فرنسا من تعهّدات "سيدر".
وهنا يبدو ان لبنان مقبل على أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ستزيد من قلق المواطنين وصعوبة معيشتهم، مما يمنع القوى السياسية الموالية او المتحالفة مع العهد من تأليف حكومة ذات لون واحد، كي لا يتحمّلوا وحدهم مسؤولية الأزمة الإقتصادية، رغم تعليق رئيس الجمهورية ميشال عون كرد على إستقالة الحكومة بالقول: منكمّل ب يللي بقيوا".