لا يحتاج التجّار في لبنان لأزمات يتلطّوا خلفها لأجل التلاعب بأسعار السلع، فكيف إن توافرت هذه الازمات التي تتيح لهم التحرّر من كل القيود التي تُفرض عليهم عادة، على قلّتها. ما نشاهده في الشهرين الماضيين في السوق اللبناني يُظهر حجم الفوضى التي نعيش بظلها، فالليرة باتت بخطر وسعر صرفها يخضع للعرض والطلب، وأسعار السلع الاستهلاكيّة ترتفع تبعا لانخفاض سعر الصرف.
عندما كانت الحكومة طبيعيّة كانت وسائل مراقبة السوق صعبة لأسباب كثيرة أبرزها عدم وجود عدد كاف من المراقبين لدى وزارة الاقتصاد، وبنفس الوقت عدم اتّباع الشدّة في التعامل مع المخالفين، أما اليوم وبعد استقالة الحكومة فقد يكون الامر أخطر، خصوصا أن بعض التجار لا يحدّ طموحهم بالربح أيّ قانون أو ضمير.
باتت القدرة الشرائية لدى اللبنانيين في أضعف حالاتها، خصوصا بظل الارتفاع الجنوني بأسعار بعض السلع، وفي هذا السياق يشير رئيس "جمعية حماية المستهلك" زهير برّو الى ان ما وصلنا إليه هو نتيجة طبيعية للسياسات المتراكمة منذ 25 عاما، اذ أن المسار الطبيعي للامور لا يمكن أن يوصلنا الى نتيجة مختلفة. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "ممارسات الادارات والنهب المنظّم للبلد خلال السنوات الماضية أدى الى خيارات اقتصادية ربطت البلد بالدولار والمصارف والتجارة الكبرى، وأدت أيضا للتخلي عن كل القطاعات الانتاجية التي تولد ثروة داخلية كالصناعة والزراعة والتكنولوجيا الحديثة".
ويحمّل برّو مسؤولية كبيرة للهندسات الماليّة في إضعاف الليرة وزيادة الدين الداخلي. ويقول: "كان المسؤولون امام خيارين إما اعتماد طريق دفع الضرائب من أرباح الشركات وتفعيل الجمارك بشكل صحيح وملاحقة مخالفات الاملاك البحرية، وإما تدفيع الناس الثمن عبر رسوم وضرائب، فاختاروا الطريق الثاني الاسهل، ونحن نعيش تداعياته اليوم.
من جهتها تؤكد مصادر وزارة الاقتصاد أنها مستمرة بعملها في مراقبة الأسواق رغم استقالة الحكومة، ولكنها ليست المعنية في ضبط سعر صرف الليرة كون هذه المهمة تقع على عاتق مصرف لبنان. وتضيف المصادر عبر "النشرة": "نحن نحاول القيام بعملنا على اكمل وجه، مع التركيز على اسعار السلع التي تدخل في الاستهلاك الغذائي اليومي للناس"، مشيرة الى أن المواطنين أيضا مدعوون للتبليغ عن حالات اللعب بالأسعار عبر الخط الساخن الذي حددته الوزارة لهذه الغابة، وهو 1739، مناشدة المعنيين إيجاد الحلول لأزمة الليرة التي تنعكس سلبا على كل القطاعات الاقتصادية، وأسعار السلع خصوصا تلك المستوردة من الخارج.
من جهته لا يرى برّو أي أفق للحل سوى الحراك الشعبي القائم على مطالب اجتماعية محقة، مشيرا الى أن الناس لا يجب أن تنتظر من الإدارات والدولة شيئا، لان من اوصل الوضع الى هذه المرحلة لن تصدر المعالجات عنه، داعيا المواطنين لمقاطعة كل المحال التي تتلاعب بالأسعار وترفع أسعارها، واستمرار الضغط لاجل حماية مصالحهم. ويقول برّو: "لا أحد سيدافع عن مصالح اللبناني وامواله لا في الداخل ولا الخارج، ومن يريد تفقيره ليرضى بالأمر الواقع لن ينتج له حلولا عادلة".
اذا، تبدو الأمور ضبابية للغاية في المرحلة الحالية، ولعل الحل الامثل بانتظار جلاء المشهد، هو مقاطعة التجار الذين يتلاعبون بالأسعار، وبحال كانت السلع أساسية سنكون امام حرب جديدة تُخاض بوجه اللبنانيين.