على وقع المشاورات السياسية التي تسبق الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف الجديد، جاء خطاب أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، الثالث منذ إنطلاق الإنتفاضة الشعبية في الشارع، في الإحتفال التأبيني للعلامة السيد جعفر مرتضى، حاسماً على مستوى الموقف من الأوضاع الراهنة، لا سيما بالنسبة إلى النظر إلى الحراك الشعبي والتأكيد بأن الحزب ليس قلقاً على المقاومة "لأننا أقوياء جداً"، لكن من دون أن يقفل الأبواب أمام أي سيناريو حكومي محتمل.
في هذا الخطاب، عاد السيد نصرالله إلى طرح علامات إستفهام حول مجمل ما جرى في الاسبوعين الماضيين وما حصل فيهما من أحداث، جازماً بأن اللبنانيين تمكنوا من تجنب ما كان يخطط أو يتمناه البعض من الذهاب إلى الفوضى أو الإقتتال الداخلي، متحدثاً حول معلومات عن وجود من كان يدفع بهذا الإتجاه، إنطلاقاً من كمّ الشتائم التي شهدتها الساحة اللبنانية، والتي كان يراد منها إستدعاء شارع أو شوارع أخرى، بالإضافة إلى عمليات قطع الطرق، لا سيما طريق الجنوب، من دون أن يتجاهل الساعين إلى ركب موجة الحراك، الذين رفعوا الشعارات السياسية، للذهاب إلى الفراغ والإنقلاب على المعادلات القائمة.
نجاح اللبنانيين في هذه المهمة، دفع أمين عام "حزب الله" إلى الدعوة للبناء على ما تحقق للإستفادة من الشعارات العابرة للطوائف التي رفعت في الحراك الشعبي، ومنع أخذه نحو عناوين طائفية لن تصب في مصلحة البلد، موضحاً أن الهمّ الأساسي بالنسبة إلى الحزب كان منع سقوط البلاد في الفراغ القاتل، وهو تصرف بمسؤولية، ولم يسع إلى ركوب الموجة وأخذ بصدره منع إنهيار البلاد، إلى جانب الكثيرين في الدولة والحراك.
إنطلاقاً من ذلك، دخل السيد نصرالله إلى الملف الحكومي، لتوضيح موقع الحزب في الحكومات السابقة، نافياً الإتهامات بأنه هو المسيطر أو المقرر الأساسي فيها، مشددا على ضرورة الإنتهاء من مرحلة تصريف الأعمال بأسرع وقت ممكن، بناء على تعاون مختلف الأفرقاء لتجنب الفراغ الذي حذر منه أكثر من مرة، ملاقياً كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في الدعوة إلى أن يكون هدف الحكومة المقبلة الإستماع إلى مطالب المواطنين الذين نزلوا إلى الشارع.
بناء على ما تقدم، شكّلت كلمة السيد نصر الله اليوم ردّاً حاسماً على التحليلات التي تناولت موقف "حزب الله" من رئيس حكومة تصريف الأعمال، حيث أكد من خلال حديثه أن الحزب لم يتعاطَ مع الاستقالة كطعنة في الظهر، وهو لم يأخذ قرار مقاطعة الحريري سياسياً، مع العلم أن هذه الرسالة موجّهة بشكل أساسي الى تيار "المستقبل" نفسه، الذي تحرك جمهوره في الشارع دعماً لرئيس التيار.
وفي حين لم يعطِ السيد نصرالله جواباً شافياً حول شكل الحكومة الذي يفضّله "حزب الله"، في ظلّ تعدد الخيارات التي تطرح من تكنوقراط إلى اختصاصيين وسياسيين إلى حكومة من لون واحد أو وحدة وطنية، كان من الواضح أنه يفضل أن تجمع أكبر قدر ممكن من الأفرقاء السياسيين، مع أن تتضمن عدداً من الأسماء الجديدة القادرة على استعادة ثقة المواطنين، ما يشير الى أن الحزب يفضل حكومة الاختصاصيين السياسية، لكنه في المقابل قدم معادلة قد يعود إلى الحديث عنها لاحقاً بشكل مفصل، ربما في حال فشل المفاوضات مع باقي الأفرقاء، تتعلق بالدور الأميركي الذي يمنع اللبنانيين من الخروج من مشاكلهم الماليّة والإقتصاديّة، والدعوة إلى أن تكون الحكومة الجديدة سياديّة حقيقيّة.
في المحصّلة، لم يقفل أمين عام "حزب الله" الباب أمام أيّ خيار، في ما يتعلق بالحكومة الجديدة، بل على العكس من ذلك فتحه أمام عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، بالتزامن مع ملاقاة دعوة رئيس الجمهورية إلى أن تلبّي الحكومة المقبلة تطلعات اللبنانيين الصادقة التي عبروا عنها على مدى الاسبوعين الماضيين.