أعاد "الحراك الاحتجاجي" في صيدا، وهو يدخل أسبوعه الثالث، خلط الاوراق السياسية بين مختلف القوى الصيداوية، التي باتت تتلاقى في محاكاة مطالب الشارع الشعبي وأبرزها الاسراع بتشكيل حكومة من ذوي اختصاص، مرورا باجراء انتخابات نيابيّة مبكرة ومحاربة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وذلك بعد تحقيق الخطوة الاولى التي تمثلت باستقالة الحكومة التي تضم مختلف مكونات القوى السياسية اللبنانية برئاسة سعد الحريري.
بعد استقالة حكومة "الى العمل"، تنفس تيار "المستقبل" الصعداء، على اعتبار انها حررته من ضغط التزام الصمت والاكتفاء بمراقبة المشهد الغاضب، وجاءت تحاكي مطلب القاعدة الشعبيّة للتيّار ضمنا، على اعتبار ان الحريري كان داعما للمطالب المرفوعة للحراك الشعبي منذ اليوم الاول، وفق ما تقول أوساطه لــ"النشرة"، والتي تضيف "هناك إرتياح بين صفوف "التيار" شعبيا، وهي شدت عصبه بعد فترة من التزام الصمت والمتابعة والابتعاد عن المشهد اليومي تجنبا لايّ احتكاك، والتحدّي الان هو إستكمال الحراك لتحقيق باقي المطالب، فالكرة في مفهومه في ملعب الآخرين لإثبات المصداقيّة، أما على المستوى السياسي فكل الوزراء والنواب والكوادر هم تحت سقف خطاب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وهم راضون عنه، وفي اجوائه مسبقا في حال وصلت الامور الى طريق مسدود".
قبل الاستقالة، توجس التيار "الازرق" بالقلق، بعدما قرّب الحراك قوى سياسية من بعضها البعض بعدما كانت متباعدة، ازالت الفتور والقطيعة، فـ"التنظيم الشعبي الناصري" الذي شكّل "رأس الحربة" في قيادة الحراك مدعوما بقوى سياسية يساريّة مثل "الحزب الشيوعي اللبناني" و"الحزب الديمقراطي الشعبي" وهيئات المجتمع المدني، فتح أبوابه، لانضمام باقي القوى لعدم تسييسها من جهة، ولاضفاء صيغة الاجماع عليه من جهة أخرى مع الابقاء على كلمة الفصل بيده ميدانيًّا، بينما شاركت "الجماعة الاسلامية" ممثلة بنائب رئيس المكتب السياسي في لبنان الدكتور بسام حمود وعدد من مشايخها بأكثر من مرة، خاطبت الحشود وأيدت مطالبهم، دون تلاقٍ سياسي مباشر مع أحد، بينما تقدم الدكتور عبد الرحمن البزري بخطوة اضافية، الى جانب مشاركته الميدانية، فعقد سلسلة لقاءات مع الأمين العام لـ"التنظيم الشعبي الناصري" الدكتور أسامة سعد، الذي بادله الزيارة، وأكّدا على ضرورة تعزيز ودعم فعاليات الحراك في مختلف الساحات خصوصا في صيدا لتحقيق المطالب التي تُعبر عن الإرادة الشعبية، بينما انخرط انصار "المستقبل" في الحراك أكثر من مرّة دون اعلان رسمي بهدف الدفع قدما نحو تحقيق باقي المطالب، وألاّ تقتصر على استقالة الحريري لاعتبارات خاصة تتعلق بالمدينة التي توصف بأنها موئلا لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، ومعقلا رئيسيا لتيار "المستقبل" الذي احكم قبضته عليها بلديا (رئيس بلدية صيدا محمد السعودي المدعوم منه منذ العام 2010) ونيابيا (فؤاد السنيورة وبهية الحريري منذ العام 2009)، قبل ان يعود ويتراجع في الانتخابات النيابيّة الماضية في العام 2018، حيث توزع المقعدين على الحريري واسامة سعد) وفق القانون الانتخابي الجديد الذي جعل من صيدا وجزين دائرة واحدة، فتغيرت التحالفات، خاضها "المستقبل" وحيدا، وتحالف البزري مع الجماعة الاسلامية (الدكتور بسام حمود)، وخاض سعد المعركة مع النائب ابراهيم عازار بدعم من تحالف حركة "أمل" و"حزب الله".
ومع استمرار الحراك الاحتجاجي، والتساؤلات عن خلط الاوراق وهل تمهّد الطريق لنسج "تحالفات" جديدة قد تستمر او تبقى موقّتة لتمرير المرحلة الحالية، بدا حرص جميع القوى رغم اختلاف رؤية كل واحد منها لهذا التلاقي، على عدم وقوع ايّ احتكاك مع القوى الامنيّة وتحديدا الجيش اللبناني الذي ينتشر في مكان الاعتصام المفتوح عند تقاطع "ايليا" قبل وبعد اعادة فتح الطريق والانكفاء الى حديقة محمد الناتوت المجاورة، معتبرين أن ما يحدث في صيدا يُعبّر عن أصالة وطنية تتمتع بها المدينة، وهي نموذج لكل اللبنانيين في ديمقراطية وسلمية التحركات.
موقف فلسطيني
وعلى المستوى الفلسطيني، حيث تجاور المدينة مخيّم عين الحلوة، الاهم في المعادلة السياسية الفلسطينية، فان القوى الفلسطينية كافة حرصت على اظهار حيادها من هذا الحراك وعدم تدخلها في الشأن اللبناني الداخلي، وقد عبّرت عن هذا الموقف قيادة فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان، خلال اجتماعها في مقر الاتحادات والمنظمات الشعبية والنقابية الفلسطينية، حيث أكدت التزامها بالموقف الفلسطيني الثابت والمنسّق مع القيادة السياسية الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس ابومازن، والقاضي بالالتزام بمبدأ الحياد الإيجابي عما يجري في لبنان، والانحياز لاستقراره وسلمه الاهلي.
واوضحت ان قيادة الفصائل وسفارة دولة فلسطين في لبنان، تواصل مساعيهما نحو وكالة "الاونروا" ومطالبتها لاعتماد خطة طوارئ للتعامل مع ارتدادات الاوضاع الجارية في لبنان على المخيمات والتجمعات الفلسطينية وانعكاساتها على معيشة اهلنا فيها، خاصة في ظل الاغلاق شبه تام الذي يعم مختلف المدن اللبنانية وتوقف دورة الحياة الاقتصادية فيها.