على الرغم من قرار أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، عدم التعليق على المشاورات والاتصالات القائمة على المستوى الحكومي، في ظل الأزمة الراهنة منذ استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، إلا أنه فتح باب الخيارات البديلة، حكومياً واقتصادياً، في اطار الاستفادة من الحراك الشعبي القائم في الشارع، للدفع نحو اتخاذ قرارات مفصليّة، لم يكن من الممكن التفكير بالوصول إليها في ظروف عادية.
في الأيام الماضية، برز السعي الأميركي المباشر إلى ركوب موجة الحراك الشعبي، لا سيما من قبل وزير الخارجية مايك بومبيو، عبر الحديث عن مساعدة اللبنانيين للتخلص من النفوذ الإيراني، الذي يعني الرغبة في توجيه البوصلة نحو "حزب الله"، لكن عملياً أمين عام الحزب كان قد تنبّه إلى هذا الموضوع من الخطاب الأول بعد الحراك، وفتح باب الحديث عن هذا الأمر في خطابه الثاني، حين تحدث عن ضرورة البحث عن الدور الأميركي الذي يمنع اللبنانيين من الخروج من مشاكلهم الماليّة والاقتصاديّة، والدعوة إلى أن تكون الحكومة الجديدة سياديّة حقيقيّة.
في الخطاب الثالث اليوم، قّرر السيد نصرالله الذهاب بعيداً على هذا الصعيد، انطلاقاً من الحراك الشعبي الذي يسمح بالدخول إلى مرحلة جديدة على المستويين السياسي والاقتصادي، نظراً إلى أن نتيجة كل المشاورات القائمة على المستوى الحكومي تؤكد الرغبة في الانقلاب على نتائج الانتخابات النيابيّة الأخيرة من جهة، وإخراج الحزب من المعادلة الحكوميّة ثانياً.
من هذا المنطلق، كان من الواضح أن أمين عام "حزب الله" أراد أن يوجه رسالة حاسمة إلى المتظاهرين، عنوانها الأساسي أنّ الدور الأميركي الذي يمنع تحريك العجلة الاقتصاديّة هو "عدوّكم"، لا الحزب أو النفوذ الإيراني، كما تحاول واشنطن الإيحاء، مقدماً الأدّلة على ذلك، عبر الحديث عن الخيارات البديلة التي تشمل الشركات الصينيّة والروسيّة والإيرانيّة، التي تُمنَع من الاستثمار في لبنان نتيجة "الفيتوات" الأميركيّة المعروفة.
بالتزامن، لم يتردّد السيد نصرالله في الإشارة إلى أنّه من ضمن الخيارات البديلة الانفتاح نحو الشرق، أيّ سوريا والعراق بشكل أساسي، حيث الدور الأميركي أيضاً يمنع اللبنانيين من الاستفادة من الفرص الكبيرة القائمة، سواء بالنسبة إلى السوق العراقي الواسع أو عمليّات إعادة الأعمار في سوريا، والتي تتطلب بشكل أساسي دوراً حاسماً على المستوى السياسي اللبناني.
ما تقدّم على هذا الصعيد، يقود إلى معادلة واضحة أراد السيد نصرالله القول انها لم تعد من الخيارات المستبعدة، بما تمثله من انقلاب على المستويين السياسي والاقتصادي في لبنان، في ظل الضغوط المفروضة على الأكثريّة النيابيّة الحاليّة، تقوم على الربط بين عنوان الحكومة السياديّة الحقيقيّة والبدائل على المستوى الاقتصادي، مع العلم أن هذه المعادلة لا تزال في موقع الخيار ولم تصل إلى مرحلة القرار، أي أنها قد تكون ورقة أراد الحزب رفعها اليوم في وجه المعركة التي جعلت البعض يفتحها بوجهه.
بناء على ذلك، يمكن القول ان رسالة أمين عام "حزب الله" اليوم، إلى جانب الاستفادة من الحراك الشعبي في إطار عملية مكافحة الفساد التي أعلن الذهاب فيها بعيداً، تكمن بأن الحزب ليس في وارد الاستسلام أو الرضوخ أمام الرغبات الأميركيّة بالاستفادة من المظاهرات الشعبيّة للانقلاب عليه، لا بل هو من الممكن أن ينقلب على الدور الأميركي، انطلاقاً من الحراك الشعبي نفسه، بعد تقديم الأسباب الموجبة لهذه الخطوة التي تكمن بعرقلة الدورة الاقتصادية، بالإضافة إلى توجيه الاتهام بالمسؤولية عن الواقع الراهن.
في المحصّلة، فإنّ الرؤية التي أبرزها السيد نصرالله، في خطابه اليوم، تتناقض مع الواقع الذي كان قائماً في الحكومة السابقة، وهي تتطلّب من حيث المبدأ الذهاب نحو حكومة مواجهة، قادرة على الوقوف بوجه الرغبات أو الضغوط الأميركيّة، فهل أراد رفع هذه الورقة، التي يملك القدرة على الذهاب إليها، لتكون رسالة إلى من يعنيهم الأمر، في الداخل والخارج، بأن الحزب، أو الأكثرية النيابيّة لا تستبعد المواجهة من خياراتها؟.