فشلت كل المحاولات التي كانت تهدف الى عدم تدويل قضية الحكومة اللبنانية ان من ناحية استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، او من خلال التعاطي مع الازمة الحكومية الجديدة عبر تحديد اسم رئيسها وشكلها واسماء وزرائها. ويسجّل ايضاً في هذا السياق، ان جميع المسؤولين في لبنان وفي مقدمهم رئيس الجمهورية، اضافة الى الاحزاب والتيارات ومنها حزب الله، فشلوا ايضاً في انهاء هذا الوضع قبل الدخول العلني للتدويل على الخط، وعلى الرغم من كل ما يقال في العلن عن ان مسألة الحكومة العتيدة قضية لبنانية داخلية، فإن من غير المنطقي اعتبار هذا الامر بمثابة حقيقة، ولعل اكبر دليل على ذلك ما صرح به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول شكل الحكومة وعدم القدرة على ضمّها تكنوقراط فقط.
اضافة الى ذلك، لم تغب البصمات الفرنسيّة حول المسألة، وهي كانت اكثر عملية عبر وصول مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو والجولة المكوكية التي قام بها على المسؤولين اللبنانيين. وسيكون من الصعوبة بمكان استغباء عقول اللبنانيين بالايحاء ان فارنو قطع كل المسافة من بلاده الى لبنان للاطمئنان على صحة المسؤولين فيه او ابلاغهم فقط دعم فرنسا المستمر، وهي امور من السهولة متابعتها وابلاغها عبر الهاتف او اي وسيلة تواصل. غير ان وصول المسؤول الفرنسي حمل دلالات كثيرة، ومن المؤكد انه حمل ايضاً اجوبة على اسئلة تتردد لدى المسؤولين في لبنان، اضافة الى غطاء دولي وتنسيق واضح مع كل من الولايات المتحدة وروسيا حول طبيعة الزيارة وما يحمله معه فارنو من معلومات واجوبة.
وفي ما كانت الامور محسومة لجهة عودة الحريري الى الحكومة في وقت سابق، برزت معطيات جديدة تفيد ان هذا التحرك الدولي هو محاولة اخيرة لتحقيق العودة انما ضمن شروط محددة وليس وفق رغبة الحريري في العودة على حصان ابيض، ما يقوّيه ويضعف سائر الفرقاء اللبنانيين الذين سيجدون انفسهم في مكان آخر عن رئيس تيار المستقبل بعد ان كانوا في خندق واحد معه. وفي الوقت نفسه، تفيد المعلومات ان التوجّه الدولي يعمل بالتوازي، على الانفتاح على فرضيّة تولي غير الحريري رئاسة الحكومة العتيدة، وان النقاش يدور حول موافقة المجتمع الدولي للاسماء المتدولة والمطروحة، وهذا هو الامر الذي تم الحديث عنه عبر "سر التقدم الايجابي"، لان قبول الغرب مناقشة اسم غير الحريري، اعتبره الكثيرون بداية طريق لحل، فالتخوف كان من رفض الخارج اي اسم آخر، وبالتالي عدم التعامل معه والتهديد بمقاطعته او على الاقل بعدم التعاون معه، مع كل ما يعنيه ذلك من زيادة الضغوط السياسية والاقتصادية على لبنان في ظل هذه الازمة الخانقة التي يعيشها، فيحكم على اي حكومة جديدة بالفشل مهما كان شكلها وطبيعة عملها اكانت انقاذية او لتقطيع الوقت لعدم تفاقم الامور. وما زاد من منسوب الانفراج، كلام فارنو حول ان اموال "سيدر" لا تزال على الطاولة، وبالتالي فإنّها ستكون بتصرّف ايّ حكومة جديدة اياً كان رئيسها، اذا ما التزمت تطبيق ورقة اصلاحيّة سليمة واجراءات جديدة تعيد عجلة البلد الى الدوران. يتم حالياً البحث في اسماء رئيس الحكومة العتيد قبل ان يتفق النواب على تسميته في الاستشارات النيابية الملزمة التي سيسارع رئيس الجمهورية الى تحديدها فور انقشاع الصورة، فهل سيبقى منسوب التفاؤل يرتفع ام ان مفاجآت جديدة غير متوقعة قد تطيح به وتعيد الامور الى نقطة الصفر؟.