لا شكّ أن السنوات الثلاث الأخيرة كانت الأكثر تشويقاً في الحياة السياسية اللبنانية ففي تلك السنوات تشكّلت حكومتين ولبنان ينتظر تشكيل الثالثة على وقع تحركات الشارع، وبتنا اليوم بإنتظار إعلان موعد الإستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة مكلّف والتي تشير المعلومات الى أنه لم يعد بعيداً.
بعد خرق هذا الجمود السياسي الذي بدأ منذ ثلاثة اسابيع مع تقديم رئيس الحكومة سعد الحريري إستقالته إستجابة لمطالب الشارع، والإتصالات التي يقوم بها رئيس الجمهوية ميشال عون لتكليف رئيس حكومة جديد مشترطاً أن يأتي التكليف والتشكيل في سلّة واحدة، حضر مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو الى لبنان، لتبقى الأنظار متجهة الى تأثير زيارته على الوضع الحكومي، في ظلّ اللقاءات المتلاحقة التي تجمع الحريري بوزير الخارجية جبران باسيل!.
"بات معلوماً أن فارنو لا يحمل مبادرة وهو سفير في الخارجية الفرنسية وليس مبعوثاً، ولو كان هناك من مبادرة فعلاً لكانت فرنسا إختارت شخصيّة أخرى ترسلها". هذا ما يراه الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي عبر "النشرة"، لافتاً الى أن "الممسك بالملف اللبناني في فرنسا هو ايمانويل بون مستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون"، معتبراً أن "الفرنسيين وقبل ارسال فارنو قاموا بالاتصالات اللازمة الاقليميّة والدوليّة، ولم يشعروا بضرورة القيام بمبادرة، لذا قرروا الذهاب الى خيار فارنو للاستطلاع". هذا ما يؤكده بدوره الكاتب والمحلل السياسي جوني منيّر عبر "النشرة"، مشيراً الى أنه "يمكن إطلاق وصف "الزيارة الاستطلاعيّة" على خطوة ارسال فرنسا لفارنو الى لبنان"، معتبراً أنّ "الحلّ لا يزال غير قريب".
يشدّد منيّر على أن "الاتصالات على خط تشكيل الحكومة لا تزال قائمة"، لافتاً الى أن "حزب الله لا يفضّل الذهاب باتجاه حكومة اللون الواحد، وفي وقت قد يكون هناك من حرّك الشارع فور انتهاء رئيس الجمهورية ميشال عون كلامه، لإرسال رسائل أو التحذير من عدم أخذ هذا الخيار". أما بزّي فيرى أن "الرئيس عون وعشية المقابلة التي أجراها كان متفائلاً بإمكانية التوصل الى شخصية سنّية ترأس الحكومة بموافقة الحريري، ولكن رسالة بيت الوسط الى بعبدا وصلت ومفادها أن الأخير مصرّ، إما هو بحكومة تكنوقراط أو لا أحد، وهذا ترجم بعد المقابلة عبر قطع الطرق في مختلف المناطق اللبنانيّة حيث بات واضحًا أنها كانت محضّرة".
يعتبر وسيم بزي أن "لعبة تحسين الشروط السياسية مستمرة تحت النار في وقت البلد ينزف فيه"، لافتا الى أن "الولايات المتحدة مصرّة على خيارها في لبنان بتشكيل حكومة تكنوقراط يرأسها أو لا يرأسها الحريري"، وواصفاً "هذا الأمر بانقلاب تريد أن تنفذه أميركا على نتائج الإنتخابات النيابيّة لاطاحة ما قام به "حزب الله" والرئيس عون في الثلاث سنوات الماضية".
إذاً، على وقع التأكيدات أن موضوع تكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة أصبحا على قاب قوسين، يبقى الترقّب سيّد الموقف. فهل تكون حكومة تجمع فريق الحريري السياسي والاشتراكي، أم أن خيار حكومة أكثريّة أو حكومة المواجهة إذا صحّ التعبير لا مفرّ منه؟!.