لم يكن قطع الطرقات لأجل ثورة، بل لإيصال رسائل سياسية على علاقة بملف التفاوض الحكومي، خصوصا بعد أن كانت كل المعطيات تشير الى أن رئيس الجمهورية ميشال عون سيدعو الى الاستشارات النيابيّة الملزمة بشكل رسمي يوم مقابلته التلفزيونية الشهيرة، ويوم كانت المعطيات تشير أيضا الى تسمية شخصية سنّية غير رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري.
لم تنقطع خطوط التواصل بعد بين الحريري من جهة والمفاوضين من الأكثرية النيابيّة من جهة اخرى، فالاكثريّة تريد حكومة تمثّلها ولكن برئاسة الحريري، والاخير يريد حكومة تمثّله ولو برئاسة شخصية يسمّيها، لذلك لا تزال الامور على حالها مع خروقات بسيطة.
تكشف مصادر سياسية أنه عندما تحدث رئيس المجلس النيابي نبيه عن لبن العصفور الذي قُدّم للحريري، كان يريد ان يقول أن فريق 8 آذار تنازل عن كل ما يُمكن التنازل عنه لإراحة رئيس حكومة تصريف الأعمال من الضغوط الاميركية عليه بشأن الحكومة. فاليوم لم تعد اللعبة مجهولة بل مكشوفة، والإدارة الأميركية تريد حكومة التكنوقراط من خارج الاحزاب لتحييد حزب الله عن الحكم وقطع حبال التسوية الرئاسية ومنع الاكثرية النيابية من الحكم، خصوصا على أبواب اتخاذ قرارات مهمة في ملفّات النفط والعلاقات مع سوريا وغيرها، مشيرة الى أن آخر التنازلات كان الموافقة على تكليف شخصية يسميها الحريري لرئاسة حكومة تكنوسياسية، لا تكون مستفزة، وبنفس الوقت لا يتم اقتراح أسماء وزارية حادّة، مع التوجّه لعدم تسمية نواب لمناصب وزاريّة، مع التأكيد على أنّ هذا العرض لا يُمانع اعتماد إسم الحريري شخصيًّا لرئاسة الحكومة.
إن هذا التنازل بحسب المصادر لاقى صدى إيجابيا لدى رئيس حكومة تصريف الأعمال دون أن يُعلن موافقته بعد، رغم أن تنازلات سابقة كانت أكبر واهمّ ولكنها لم تنل موافقته، وتحديدا عندما اقترح الخليلين، علي حسن خليل وحسين الخليل على الحريري ترؤس حكومة تكنوسياسية لا يتمثل فيها كل احزاب 8 آذار إنما الفريق الشيعي فقط عبر وزيرين تكنوقراط مقربين منهما، مشيرة الى أنّ الرفض السابق للحريري كان دليلا على عدم رغبة بترؤس الحكومة ما لم تكن مطابقة لشروط الأميركي، ولكن الوضع اختلف اليوم.
ترى المصادر أنّ إيجابية الحريري تجاه العرض الأخير جاء بعد الجدّية لدى الفريق الآخر بالتوجّه نحو حكومة من لون واحد رغم أن هكذا حكومة تعني مقامرة كبرى، فالأميركي يريد "أكل العنب لا قتل الناطور"، وبالتالي فإنه اذا لم يتمكن من خلال ما يجري الوصول الى حكومة بلا تمثيل حزبي فإنه على الاقل سيرضى بحكومة لا يكون تأثير الاحزاب فيها كالسابق، علما أن هذه النتيجة لم تُحسم بعد بانتظار الأيام المقبلة، لان الحريري الذي أبدى إيجابية على العرض الاخير قد يتنصّل منه لاحقا.
اذا، بانتظار إعلان موعد الاستشارات النيابية، تبقى الأكثريّة الحاكمة على مواقفها، فإما حكومة تكنوسياسيّة وإما لا حكومة، مع العلم بحسب المصادر أن هذه القوى مستعدة للبقاء ضمن الفراغ الحكومي لمدّة طويلة، على ألاّ تُقدّم للأميركي ما يريده. وتضيف: "الاستعجال لم يعد من قبلنا بل من قبل الآخرين، والسقوف العالية التي كانت مرسومة من قبل الحريري والأميركي بداية الازمة بدأت تنخفض وستنخفض الى أن نصل الى مكان يرضينا"، كاشفة أن هذا الامر لا يبدو أنه بعيدا.
وتكشف المصادر عن وجود رأي ضمن فريق الأكثرية النيابية يقول بأن عدم استجابة الحريري وموافقته على العرض الاخير المقدّم اليه يجب أن يدفع رئيس الجمهورية لتحديد موعد الاستشارات لتمرير التكليف والذي لن يصل الى مرحلة التشكيل، انما عندها يمكن وضع الكرة بملعب الرئيس المكلف لا رئيس الجمهورية، مشددة على أن هذا الرأي لا يزال ضمن دائرة البحث حاليا، بانتظار المستجدات في الساعات القليلة المقبلة.
لن يكون من المستغرب أن يوافق الحريري على العرض الحكومي الاخير، كذلك لن يكون مستغربا أيضا أن يرفضه ويتمسك بشروطه السابقة للحكومة، ولكن الأكيد في كل هذا أن كل ما يجري وسيجري في الشارع يأتي في سياق لعبة التفاوض وتحسين الشروط.