أخفق قادة الاحتلال الإسرائيلي في تقديراتهم الأمنية، برد «حركة الجهاد الإسلامي» على اغتيال قائد المنطقة الشمالية في «سرايا القدس» الجناح العسكري التابع للحركة بهاء أبو العطا، حين استندوا إلى أنّ قدرة «الجهاد» لن تكون ذات تأثير يُذكَر، وأنّ الرد سيقتصر على بضع رشقات صواريخ.
هذه المعلومات وضع رئيس جهاز «الشاباك» نداف أرجمان في أجوائها، رئيس حكومة تصريف الأعمال بنيامين نتنياهو، مُستنِداً إلى التقارير التي توافرت لديه، بأنّ رد الفعل على الاغتيال سيقتصر على «الجهاد»، وأنّ حركة «حماس» ستلتزم التهدئة!
لكن استطاع «الجهاد الإسلامي» تحقيق مُعادَلة جديدة، تمثّلت بإطلاق أكثر من 360 صاروخاً، فشلت منظومة «القبة الحديدية» باعتراض العديد منها، فسقطت شمالي تل أبيب وعسقلان وسديروت وغوش دان، ما شلَّ الحياة في الكيان الإسرائيلي، بما في ذلك الدراسة، في مشهد هو الأوّل منذ حرب الخليج في العام 1991.
وبينها صاروخ جديد من طراز «براق 120» صناعة «الجهاد» يدخل للمرّة الأولى في معركة «صيحة الفجر».
وتمكّن «الجهاد» في هذه المعركة من تثبيت مكانة له بشأن أي مُعادَلة جديدة تتعلّق بقطاع غزّة، وفرض شروط على الاحتلال لوقف العدوان، على أمل أنْ يكون ما جرى رادعاً للاحتلال عن مُمارسة عدوانه، واغتيال المُقاومين والمُواطنين.
وكانت الاتصالات التي قامت بها المُخابرات المصرية قد أدّت للتوصل إلى اتفاق تهدئة، وافقت عليه «حركة الجهاد الإسلامي» والكيان الإسرائيلي، اعتباراً من الخامسة والنصف من صباح أمس (الخميس).
وينص الاتفاق على مُوافقة «إسرائيل» على شروط «حركة الجهاد الإسلامي، وأبرزها: وقف الاغتيالات، وقف إطلاق النار تجاه المُتظاهرين في مسيرات العودة، التي يجب أنْ تُحافِظ على سلميّتها.
وبعد التوصّل للاتفاق، انطلق صاروخ من قطاع غزّة باتجاه المُستوطنات القريبة من القطاع، قبل إطلاق عدد آخر لاحقاً.
وأظهرت حصيلة العدوان سقوط 34 شهيداً، وأكثر من 113 جريحاً، ومن بين الشهداء 8 في مجزرة ارتكبها الاحتلال فجراً، بحق عائلة أبو ملحوس، في مدينة دير البلح في قطاع غزّة، حيث دُمِّرَ منزلهم بالكامل، وأحدثت قوّة الصواريخ حفرة كبيرة مكانه، فضلاً عن استشهاد 6 طلاب، وتضرُّر 15 مدرسة.
في المقابل، زعم نتنياهو أنّ مُغامرته بالعدوان حقّقت أهدافها، وهو ما انعكس سخطاً داخل الكيان الإسرائيلي.
لكن يُسجّل أنّ نتنياهو استطاع خلط الأوراق، والإطاحة بالاتفاق الذي كان الرئيس المُكلّف تشكيل الحكومة بيني غانتس قد أوشك عقده مع رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، بدعم من «القائمة العربية المُشتركة» برئاسة أيمن عودة، بما يضمن ترؤس غانتس لحكومة أقلية، تُقصي نتنياهو عن المشهد السياسي.
وتمكّن نتنياهو من قلب الأمور، وإحراج غانتس وليبرمان، بعد الانتقادات المُتكرِّرة له عن عجزه على الرد على قطاع غزّة، والذي كان أحد الأسباب التي تذرّع بها ليبرمان، حين قدّم استقالته من منصب وزير الدفاع (14 تشرين الثاني 2018)، ما أدّى إلى استقالة الحكومة، من ثم حل «الكنيست» وإجراء انتخابات عامّة مرّتين خلال أقل من 6 أشهر، والتلويح بإجراء انتخابات ثالثة جديدة.
وأيضاً إلغاء الشروط التي كان يضعها غانتس وليبرمان لتشكيل حكومة وحدة بين «الليكود» و»أزرق أبيض» دون مُشاركة «الحريديم»، فأصبحت إمكانية مُشاركتهم طبيعية، لأنّ في ذلك مصلحة إسرائيلية، تقتضي تشكيل هذه الحكومة، وفق الرؤية التي تقدّم بها رئيس الكيان الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بأنْ يتولّى نتنياهو الفترة الأولى، وغانتس نيابته فيها، قبل تولّيه الفترة الثانية، وإذا ما قدّم المُستشار القضائي أفيخاي مندلبليت اتهامات في أي من ملفات الفساد الثلاثة التي تُواجه نتنياهو، فإنّ غانتس يتولّى عندها مهامه مُباشرة.
في غضون ذلك، عقد غانتس وليبرمان اجتماعاً لهما، لبحث تشكيل الحكومة.
وكرّر غانتس موقفه بأنّه «أوضحتُ موقفي بشأن الاحتمالات التي من المُمكِن أنْ تحدث، سأدرس أي خيار من شأنه أنْ يُنقِذ الدولة من انتخابات جديدة، شريطة أنْ يتوافق مع مبادئي من حيث لائحة الاتهام».
وأكد «قرّرنا أنْ نجتمع مرّة أخرى مطلع الأسبوع المُقبل، لا نريد أنْ نخوض انتخابات جديدة، وسنبذل قصارى جهدنا حتى اللحظة الأخيرة، كان اجتماعنا جيّداً وسنواصل العمل معاً».
بدوره، قال ليبرمان: «ما أفتقده هو رسالة واضحة من قادة تحالف «أزرق أبيض»’ حيال قبولهم مُقترح الرئيس، فقد سمعنا من نتنياهو «لا» واضحة، وسمعنا أنّه لم يقبل المُقترح كاملاً، لكنني لم أسمع «لا» هنا، ولم أسمع «نعم» بطريقة إيجابية أيضاً، ينقصني بيان من قادة التحالف لقبول المُقترح».
وعلّق ليبرمان على زعم نتنياهو تحقيق انتصار، قائلاً: «تنظيم مثل الجهاد الإسلامي حظر التجوال على إسرائيل ثلاثة أيام، ويأتي نتنياهو ويقول انتصرنا!!!».
هذا، وسيجتمع ليبرمان مع نتنياهو يوم الأحد المُقبل - أي قبل 4 أيام من انتهاء المُهلة الممنوحة لغانتس لتشكيل الحكومة.