في مفهوم كرة القدم، هناك نظرية تقول: أن تفوز في ملعب الخصم أكثر من مرة، يعني أنّ من المنطقي الفوز على أرضك، وهذا من المسلّمات.
الزمانمساء السابع عشر من تشرين الأول ٢٠١٩ يمتطي وزير الإعلام جمال الجراح منبر الإعلام، ليستفز اللبنانيين بخطاب استعلائي، وليخبرهم بالضرائب الجديدة التي ستفرض عليهم. يخرج اللبنانيون إلى الشارعللاعتراض على الاستهتار بحقوقهم. وعلى مواجهة الاستكبار الذي مارسته عليهم السلطة منذ ثلاثة عقود.
هل نحن في قلب الأزمة أو على ضفافها؟
نحن اليوم نعيش في قلب الأزمة، وفي وسط الإعصار، ونحن موجودون أيضًا في إحدى ساحات المواجهة الحقيقية وملاعبها. فما يحصل على المستوى الوطني من أزمات حقيقية ومفتعلة،تستند إلى حقائق واقعية، وهي إحدى أدوات الصراع بوجهه الاقتصادي المعيشي الاجتماعي، الذي يريد الأميركي تسييله مكاسب سياسية عجز عن تحقيقها على أرض الواقع من خلال عاملين: الأول عبر الحرب الصلبة، والمواجهات العسكرية والحروب المفتوحة بأنواعها المختلفة، منذ العام 2003 (احتلال العراق، حرب تموز، والحرب السورية). أو عبر الحرب الناعمة، (الثورات الملونة، والفوضى الخلاقة، ثورة الأرز، حصار ايران والمقاومة وشيطنتهما... وأخيرًا عبر الحرب الاقتصادية).
لم يخترع الأميركيون جديدًا في هذه الساحة، فقد كانت الأحداث والسياقات تقود إلى أنّ شيئًا كبيرًا سيحصل في لبنان على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما حذّر منه الفرنسيون ايضًا في ايلول الماضي، فمن يتبّع البُوم، فسيدّله على الخراب. وهذا ما فعلته السلطة عندما استسلمت لرؤية رياض سلامة، ومن خلفه.. ما فعله الأميركي، كان تفعيل أدواته ومحركاته الجاهزة، ووسائل إعلامه، والجمعيات المموّلة منه، والشخصيات التي تعمل في خدمته لقاء أجر مدفوع. وحاول من خلال كل ذلك، إعادة توجيه دفّة الحراك الى الوجهة التي تخدم مصلحته. فتمّ التصويب على المقاومة والعهد، للتعويضعن كل الخسارات التي ألحقها بهم محور المقاومة في طول المنطقة وعرضها.
لقد خاض هذا المحور حروبًا عالمية مصغرة، وبأدوات بدائية، ولكن بروح عالية من الثقة والعقيدة واليقين بنصر الله وتوفيقه، وكانت النتائج مذهلة وخيالية وفوق المتوقّع. والجدير ذكره، أنّ المقاومة في لبنان كانت تلعب خارج أرضها بمفهوم سايكس بيكو، وعلى أرضية جديدة رملية في الغالب، وومعقّدة ومعوِّقة وواسعة، خارج المتعارف عليه من الساحات التي لعبت عليها سابقًا، وكان الخصوم أيضًا من المحترفين، وممّن يملكون إمكانيات هائلة، بشرية ولوجستية ومعلوماتية، ومادية،وحتى عقائدية، وأنّ جمهورهم كان بالملايين، وكانت المقاومة تلعب من دون جمهور حتى.أما اليوم فإنّ الأميركي يريد خوض مباراة الإيابفي ملعبها، وعلى أرضية صلبة وغير خدّاعة، وخطوطها مكتملة، والخصم مجرّب وهزيل، وواضح، ومهزوم سابقًا، وهو من الهواة، وينتمي إلى دوري الدرجة الثالثة، إن لم يكن أقل. النتيجة التي تعرفونها مسبقًا سنتركها إلى آخر المقالة..
في نقد الحراك
بعد مرور اكثر من ثلثلث أسابيع على بداية الحراك، وبعدما تمّ خطفه وأسره من قبل جهات محددة، يحق لكل متابع أن يسأل من ماهية الحراك اليوم، وعن قادته، ووجوهه ومنظّريه؟ قد يقول أحدنا إنّ هذا الحراك خرج عفويًا، وإنّ الناس لم تكن مؤطرة أو موجّهة، وكان هدفها المطالبة بحقوقها المهدورة على أعتاب قصور الزعماء ويخوتهم ومصارفهم، فطبيعي ألا ينبثق عنه قيادة واضحة في الأيام القليلة الأولى، وفي ذلك الكثير من الواقعية والحقيقة. ولكن بعد مرور حوالي الشهر، فمن البديهي أن تنبثق مجموعة تمثّل هذه الناس، وتتكلم باسمهم، وتضع برنامجها وشروطها للحوار أو الحل، أو تحويل الانتفاضة إلى ثورة تقلب النظام رأسًا على عقب، ولكن عبر برنامج واضح ومكشوف ومعلن، وليس كلامًا عامًا. ولكن، أن يبقى هذا الحراك من دون وجوه معروفة، وخلف أقنعة مجهولة، يظهر منه قطّاع الطرق فقط، والشتّامون وقليلو التهذيب، فهذا يثير الشك والريبة، ولا يقبل به إلا ساذج، أو متآمر.
السؤال الأساسي المطروح هو الآن: لماذا ما يزال "قادة الانتفاضة"، ومن خلفهم، مختبئين وخائفين من الكشف عن وجوههم ومشروعهم ورؤيتهم؟ لا توجد ثورة في العالم تثور وتغضب لمجرد الثورة والفوضى والشتم، وقطع الطرقات. حتى داعش والنصرة وأخواتهما أعلنوا عن أنفسهم ومشروعهم ورؤيتهم في الأيام الأولى. فلماذا بعد مرور كل هذه الأحداث المزلزلة في لبنان، لم يُعلَن عن مجلس قيادة لهذه الثورة المجيدة!؟ أو متحدّث واضح باسمها؟ وهل صحيح أنّ هؤلاء الذين تريدهم، فرنسا، وهي في الواجهة، وواشنطن من خلف الستار، وتروّج لهم لتقديمهم؛ هم من سينقذون هذا الوطن الجريح من الأزمة الكبرى؟.
تقول احدى الصحف إنّ الموفد الرئاسي الفرنسي كريستوف فارنو سيقوم بمهمة ما، حسب ما سربت مصادره، وأنّ السفارة في بيروت تولت الترتيبات، وأجرت الاتصالات بالشخصيات «المرشحة من قبلها للاجتماع مع الموفد. وتبيّن ان ممثلي «المجتمع المدني» الذين وافقوا على الاجتماع مع الموفد الفرنسي-اختارتهم السفارة «وفقًا لمعلومات تستند الى الواقع الشعبي» -ركّزوا على الواقع الشعبي- وهم مندوب عن جمعية «كلنا إرادة» التي تضم مجموعة من رجال الاعمال اللبنانيين ممن تربطهم علاقات قوية مع الحكومة الفرنسية، وكانت جمعيتهم الجهة الوحيدة غير الحكومية التي سمح لها بالمشاركة في مؤتمر «سيدر» في باريس؛ اضافة الى ممثلين عن «حزب سبعة» و«المفكرة القانونية» و"لِوطني". وتمّ تسريب أسماء مثل مكرم رباح؟ او جاد شعبان أستاذا التاريخ والاقتصاد في الجامعة الأميركية، وأحد الأساتذة من الجامعة اليسوعية، او الثائرة الأممية بولا يعقوبيان، أو غيرهم من بعض الجمعيات المرتبطة مباشرة بفرنسا والولايات المتحدة المعروفة التمويل والتوجه والخلفيات السياسية؛ فهل انّ هؤلاء هم قادة الثورة حقًا؟ ومن هم هؤلاء، وما هو تاريخهم، وما هي مواقفهم الوطنية، ورؤيتهم السياسية والاقتصادية؟ وهل انّ الشعب اللبناني الذي ثار على الظلم، سيسلّم رقبته ومستقبل أبنائه لشخصيات بعضها مجهول كليًا، وبعضها معلوم كليًا بمصداقيته ومناقبيته العالية، ومواقفه التاريخية، وتمويله، ولا سيما دوره في حادثة اختطاف الرئيس المستقيل سعد الحريري في الرابع من تشرين الثاني في العام 20017. وكيف كذب وغطى، وحاول إقناع اللبنانيين أنّ رئيس حكومتهم يستمتع بإجازة مشمسةٍ مدفوعة الأجر في بلده الأول أو الثاني، السعودية؟!.
ثمة أسئلة كثيرة تحضر في هذا المقام منها : لماذا يوافق "الوطنيون الجدد" على لقاء مبعوث أجنبي يتدخل في الشؤون اللبنانية، ولا يوافقون على لقاء رئيس البلاد وحامي دستورها؟ وهل هذا هو السلوك الوطني؟ جيد. ما لو أتى مبعوث إيرانيّ مثلًا، كون إيران لاعب إقليمي كبير، وطلب لقاء هؤلاء وغيرهم، للإسهام في حل الأزمة؟ ماذا سيكون موقفهم؟.
وهل أنّ هذه المساطر للنموذج الليبرالي والنيوليبرالي المتوحش هم من سيجلبون الرخاء والحرية للشعب المستضعف الذي هبّ معترضًا على ما مارسته بحقه السلطة الظالمة؟.
وهل هذا هو طموح الفقراء الذين نزلوا إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم؟
وهل أنّ خصخصة البلد، وبيعه لحيتان المال والشركات، ستكون هي الحل على أيدي المنظّرين الجدد، ممن يريدون تحويل كل شيء الى سلعة مدفوعة، حتى الإنسان وكرامته؟ فلو نجحوا في استلام الحكم _ولن ينجحوا_ فإنّ كل شيء سيصبح مشرعًا، وبقوانين. فإذا كان لصوص السلطة والمصارف منذ ثلاثين عامًا يسرقون البلد وينهبون خيراته في الغرف المظلمة، والمحكمة الإقفال؛ فإنّ سرقة الشعب ستكون هذه المرة علنًا، ومن خلال قوانين واضحة وملزمة... ومن لا يستطيع العيش، أو لا يريد، فها هو البحر من أمامه والصحارى من خلفه. ليبقى لبنان جنةً للزناة وللصوص، وماخورًا كبيرًا للعرب وغيرهم...
إلى المواجهة ام إلى التسوية؟
بغضّ النظر عمّا ستؤول إليه الأمور، فإنّ التهويل باحتراب داخلي هو كلام غير منطقي، وكل العراضات التي يقوم بها بعض من كان في السلطة إلى الأمس، وبعض من بقي فيها، لتتضح الرؤية، عبر قطع الطرقات، والتضييق على الناس، لن تُصرف في السياسة، ولا سيما بعدما تضاءلت أعداد المتظاهرين الحقيقيين بشكل كبير، عندما علموا أنّ لصوص الثورات يريدون امتطاء حراكهم وجهدهم وغضبهم، لاستثماره في المكان الذي يخدم مصلحتهم ومشاريعهم الفئوية الضيقة.
إلى أين إذًا؟ الواضح أنّ البلد امام مفترق طرق، وهو أمام أحد خيارين، بعدما غيّب الانتهازيون مطالب الانتفاضة والناس الحقيقيين، وتصدوا للتكلّم باسم من بقي من الناس. الخيار الأول، أن يضع بعض اللبنانيين المقامرين عقولهم في رؤوسهم، وأقدامهم على أرض الواقع، ويلتفتوا من حولهم، ويتعلموا من تجارب الآخرين، ولا يفتحوا آذانهم للأميركيين الذين يوضّبون أغراضهم للانسحاب من المنطقة، وهم سيتركونهم وحيدين، كما فعلوا معهم، ومع غيرهم غير مرة؛ والثاني، أن يصغوا لشياطينهم، ويركبوا رؤوسهم، ليضعوا المقاومة وحلفاءها أمام خيار وحيد، وهو المواجهة. وعندها سيخسرون كل شيء. وربما تكون اللحظة التاريخية لولادة لبنان الجديد على أنقاض مشاريعهم الفاشلة، وآخرها الشرق الأوسط الجديد.وبهده سيطلق الحكم صفاّرة النهاية. أترك لكم تقييم نتيجة المباراة.