شدّد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، على أنّ "ما يشهده لبنان منذ 17 تشرين الأول هو انتفاضة تاريخيّة تجاوز فيها الشعب الانتماء الطائفي والمذهبي والحزبي إلى الانتماء الوطني، الّذي كان القاعدة الأساسيّة لبناء لبنان الكبير منذ مئة سنة".
ولاحظ المجتمعون في ختام دورة المجلس السنوية العادية الثالثة والخمسين في الصرح البطريركي في بكركي، من الحادي عشر حتّى الخامس عشر من شهر تشرين الثاني 2019، برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أنّ "شباب لبنان وشعبه ما كانوا لينتفضوا لو لم يبلغ وجعهم حدّه الأقصى من المعاناة من الفساد وفقدان الثقة بالقادة السياسيّين، ومن الانهيار الاجتماعي والاقتصادي وتغليب المحاصصة والزبائنيّة في الحكم السائدة منذ سنوات طويلة. فراحوا يطالبون بحكومة ذات مصداقيّة وفعاليّة، لكي تستطيع إجراء ما يلزم من إصلاحات في الهيكليّات والبنى، ومن مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة وضبط المال العام، وبتأمين التعليم وفرص العمل، وتوفير الضمانات اللازمة لمختلف فئات المجتمع".
ورأوا في ظاهرة الاعتصام في الساحات والشوارع "حدثًا فريدًا من نوعه في تاريخ لبنان". وركّزوا على "أنّهم إذ يتبنّون المطالب المحقّة، يدعون المعتصمين إلى توخّي الحكمة ليبقى تحرّكهم سلميًّا وحضاريًّا ولا يُستغلّ سياسيًّا أو حزبيًّا أو إيديولوجيًّا"، ودعوهم إلى "الابتعاد عن التشنّج والعنف والكلام النابيّ"، مطالبين رئيس الجمهورية ميشال عون "الإسراع في اتّخاذ التدابير الدستوريّة الواجبة لتأليف الحكومة وحماية لبنان وسيادته واستقلاله ووحدة شعبه، والنهوض بالاقتصاد وبناء دولة القانون عبر اختيار أصحاب الكفاءات لخدمته، تجاوبًا مع طموحات جميع اللبنانيين وبخاصة الشباب".
من جهته، عرض الراعي لموضوع الدورة العام بعنوان "الكنيسة ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والرقمي"، مشدّدًا على "ضرورة أن تُخاطب الكنيسة شبابها وتستمع إلى همومهم وتقدّر رأيهم في المساهمة لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصاديّة والماليّة والسياسيّة". ولفت إلى أنّ "دورتنا تتزامن مع مستجدّات جذريّة على مستوى شباب لبنان وشعبه الّذين انتفضوا انتفاضة تاريخيّة وحضاريّة للتعبير عن فقدان ثقتهم بالقادة السياسيّين، وعن رغبتهم برؤية وجوه نظيفة تلتئم في حكومة مصغّرة فاعلة تستطيع إجراء الإصلاحات اللّازمة ومكافحة الفساد وضبط المال العام". ودعا المدارس والجامعات الكاثوليكية إلى "ترشيد الإنفاق وعدم زيادة الأقساط"، مُطالبًا الدولة بـ"دعم الأهالي في جزء من الأقساط صونًا لحرية التعليم".
أمّا السفير البابوي فنقل في كلمة له بركة البابا فرنسيس وقربه بالصلاة من الجميع"، مذكّرًا بـ"الرسالة الّتي وجّهها البابا فرنسيس الأحد 27 تشرين الأول إلى الشعب اللبناني العزيز، وبخاصة الى الشباب، داعيًا الجميع إلى إيجاد الحلول المحقّة عن طريق الحوار". من ثمّ، توقّف عند الحدث الوطني الّذي يتمثّل بـ"الانتفاضة الشعبيّة المُذهلة الّتي انبرى فيها المتظاهرون، وبخاصة الشباب والصبايا"، موجّهًا إليهم الشكر على "الديناميّة الإيجابيّة الّتي خلقوها والّتي لا ينبغي أن تنطفئ بأيّ شكل من الأشكال، وعلينا أن نعمل كلّ ما بوسعنا كي يكون تحرّكهم حافزًا للبنان متجدّد، أكثر عدالة وديمقراطية، وأكثر تضامنًا وأخوّة".
كما استمع الحاضرون إلى مدير "المركز الكاثوليكي للإعلام" الخوري عبدو بو كسم، الّذي عرض لـ"واقع الإعلام في لبنان وتحدّياته"، وأهمّها: "الشحّ في الأموال الّذي يوصل إلى الارتهان وغياب الحرية، غياب القوانين الّتي تنظّم الإعلام الإلكتروني، مشكلة الأخبار الكاذبة والشائعات، معاناة الصحافة الورقية والمحطات التلفزيونية، تدنّي مستوى البرامج التي تقدّمها، أهميّة المواقع الإلكترونيّة ومخاطرها، وبعض المشكلات المرتبطة بالسينما والمسرح، لا سيما ما يتّصل منها بالتعرّض للدين والأخلاق". وطالب بـ"ضرورة رسم خطة للتنسيق بين وسائل الإعلام المسيحية تتناول موضوع الاعلام الكنسي وتحديث مهام اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام".
بدوره، عرض رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، لتعاليم الكنيسة حول وسائل التواصل الاجتماعي، منطلقًا من أنّ "الكنيسة الكاثوليكية قد وضعت نفسها في جوّ محاكاة العصر والحضور المتفاعل مع مستجدّاته المتنوّعة. وبما أنّ وسائل الإعلام والتواصل قادرة أن تخدم الكنيسة في نشر الإنجيل، فإنّ عليها أن تستخدمها، وهي تعتبرها عطايا من الله، لتعلن للعالم رسالة الخلاص"، مشيرًا إلى أنّ "الكنيسة لا تواجه شرّ الإعلام أو استعماله السيّء، بل تؤكد أن هذه الوسائل بإمكاناتها واستعمالها الصحيح تصير عامل تقدّم إنساني أكيد وترتقي من طاقات للحوار الى طاقات لتحرير الشعوب عبر قول الحقيقة وتبنّي قيم المساواة والعدالة والسلام".
بعدها، تناول الوزير السابق ملحم الرياشي، الإعلام كـ"رسالة يقوم بتأديتها إعلاميون من الواجب أن يتحلّوا بقدر كبير من الثقافة والمعرفة الى جانب أخلاقيات وآداب ترعى ممارستهم لهذه المهنة". وشدّد على "دور المسيحيين والكنيسة في مواكبة تطوّر وسائل الإعلام والتواصل ليكون الإعلام الكنسي حاضرًا في يوميات الناس"، من ثمّ اقترح على المجلس بعض التوصيات تتعلّق باستحداث وزارة للحوار والتواصل وإنشاء مرصد للعائلة اللبنانية.
وفي الختام، توجّه المجتمعون بصلاتهم إلى الله "الّذي اختار لبنان أرضًا مقدّسة ودعاها لتسمو نحوه كالأرز"، طالبين إليه بشفاعة العذراء مريم وسيدة لبنان، أن "ينير عقول المسؤولين السياسيّين كي يعملوا بروح التجرّد على حلّ أزمة الحكومة، ونتائجها الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة". وصلّوا من أجل شعب لبنان وشبابه كي "يشبكوا الأيدي ويتضامنوا من أجل بناء دولة ووطن يصونان حرية الانسان وحقوقه في عيش كريم، ويبقوا متمسّكين بثقافة الأخوة والعيش الواحد والسلام". إلى ذلك، طلبوا من أبنائهم وبناتهم أن "يثابروا على رفع الصلوات في العائلات والرعايا والأديار والأبرشيات كي يعمّ السلام في بلدان الشرق الأوسط وبخاصة في لبنان فيبقى الوطنَ الرسالة ومختبرًا للحوار والتواصل".