منذ بداية التحركات الشعبية في الشارع، في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، سعى الكثيرون إلى طرح علامات استفهام حول موقف قيادة الجيش اللبناني، انطلاقاً من الخلافيات السياسية التي ينظرون عبرها إلى هذا التحول الكبير على المستوى المحلي.
البعض رأى أن على الجيش اللبناني أن يسارع إلى قمع المتظاهرين وفتح الطرقات أمام المواطنين، ووجه إلى قيادته انتقادات على هذا أساس، ربط معظمها بالحديث عن طموحات رئاسيّة لدى العماد جوزاف عون، في حين اعتبر البعض الآخر أن موقف المؤسسة العسكريّة، التي قررت التعامل بهدوء وحكمة مع التحركات في الشارع، هو اصطفاف إلى جانب فريق ضد آخر، لكنه سرعان ما عاد إلى توجيه السهام لها، عندما قرّرت الحسم لمنع انفلات الأوضاع على أرض الواقع.
ضمن هذا السياق، تكاثرت الشائعات والأخبار الكاذبة التي تناولت المؤسسة العسكرية، لا سيما العماد عون، كان آخرها الحديث عن كفّ يده ووضعه في الإقامة الجبريّة، على أساس غيابه عن اللقاء الذي جمع وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال الياس بو صعب، مع نظيره الايطالي لورنزو غويريني، الذي يزور لبنان على رأس وفد من وزارة الدفاع الإيطاليَّة، من دون الانتباه إلى أن المتعارف عليه، بروتوكولياً، أن يلتقي وزير الدفاع نظيره ويلتقي قائد الجيش نظيره، كما أنه لا يجوز أن يلتقي الوزير بواسطة قائد الجيش، وهو ما حصل بالفعل، بحسب ما ورد في خبرين منفصلين وزعتهما مديرية التوجيه في الجيش.
في هذا الإطار، تعتبر مصادر عسكرية، عبر "النشرة"، أن ما أشيع على هذا الصعيد يأتي في سياق التشويش على المؤسسة العسكرية، الضامنة للأمن اللبناني، وتؤكد أن المؤسسة لن تتخلّى عن لبنان وحمايته وحماية السلم الأهلي، مهما حاول العابثون اللعب على وتر دقّ اسفين بين المواطنين والجيش اللبناني.
وتوضح المصادر نفسها أن صلاحيّة كفّ يد قائد الجيش هي في الأصل منوطة بمجلس الوزراء، صاحب صلاحية التعيين، وبالتالي لا سلطة لوزير الدفاع الوطني على قائد الجيش، الذي يعود له فقط تحريك القوى على الأرض، ما يؤكّد أن كل الشائعات التي تروّج على هذا الصعيد لا أساس لها من الصحة. وبعيداً عن هذه الشائعة التي تتناول رأس المؤسسة العسكريّة تحديداً، هناك أمر لافت تظهّر، في الأيام الماضية، يتعلق بذهاب البعض، لا سيما عبّر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التحريض على الجيش اللبناني، انطلاقاً من أخطاء فرديّة حصلت في بعض الأماكن، الأمر الذي لا يمكن تجاهله أو التعامل معه على أساس أنه تصرّف عابر، خصوصاً أن هذه المؤسسة تبقى الضامن الأول للاستقرار، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
على هذا الصعيد، توضح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن دور الجيش أو موقفه من التطوّرات الراهنة معروف ولا يحتاج إلى أيّ توضيح، فهو في كل مرة يرزح الوطن تحت أيّ عبء يقف اللبناني خلفه كملجأه الوحيد، لأنّه يكون على مسافة واحدة من الجميع بكافة انتماءاتهم السياسيّة والطائفيّة، من منطلق حرصه على السلم الأهلي والمساواة بين المواطنين.
وتشير المصادر نفسها إلى أن المؤسسة العسكرية كانت، منذ بداية التحركات الشعبية، تحرص على الحفاظ على حق التظاهر وسلامة المتظاهرين ضمن حدود الحفاظ على حريّة التنقّل لباقي المواطنين، وتؤكّد أن ما يُحكى عن توقيفات اعتباطيّة لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، وهي حصلت بعد أن تمّ الاعتداء على عناصر الجيش، لأنّ المؤسسة العسكرية لا خلفيّات سياسيّة لها بل وطنيّة بحتة، وتشدّد على أنّ من يقف خلف الحملات التي تستهدفها ليسوا إلا مجموعة من الموتورين، الذين قد لا يدركون ما يقومون به أو يهدفون إلى زعزعة أمن البلاد، مع العلم أن خلفيّات بعضهم السياسية معروفة.
في المحصّلة، بات من الضروري على الجميع أن يدرك خطورة الشائعات والأخبار الكاذبة التي تتناول المؤسسة العسكريّة، التي تبقى أساس الحفاظ على الاستقرار والأمن في البلاد، وعدم تجاهل أنّ عناصرها وضباطها، منذ اليوم الأول، مستنفرون من أجل تنفيذ هذه المهمة.