لم تكد اسهم الوزير السابق محمد الصفدي تعلو في بورصة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، حتى عادت وهبطت الى ادنى مستوى لها. السبب حتماً ليس رغبة الصفدي في عدم تولي المسؤولية، فهو كان سارع عبر مكتبه الاعلامي الى الرد على ما تم تناقله من رسائل ومعلومات حول وضعه الصحي وعدم قدرته على العمل بشكل متواصل لساعات طويلة، عبر التأكيد على عكس ذلك وهذا بذاته كفيل بتوضيح فكرة مفادها انه راغب في الوصول الى السراي الكبير، ولكن...
يمكن القول ان الصفدي وقع ضحية الحسابات السياسية والمذهبية، فما ان تم طرح اسمه، حتى اتى "الفيتو" الاول من الشارع عبر تناقل صورة على وسائل التواصل الاجتماعي (ولو من باب المرح) تظهر كمية من الدواليب الجاهزة "للترحيب برئيس الحكومة الجديد"، اضافة الى الحديث عن انه وجه من وجوه الفساد وان التظاهرات في "الزيتونة باي" هي خير دليل على ذلك (ما حدا بالصفدي الى الاتصال بالمدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم -وفق بيان صادر عن مكتبه الاعلامي- وطلب منه تحديد موعد للاجتماع به لتوضيح ملابسات هذا الملف). هذا من ناحية الحراك في الشارع، اما من ناحية اخرى، فكان "نادي رؤساء الحكومات السابقين" يعقد اجتماعاً لاعضائه (فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي، تمام سلام) للاعلان عن التمسك برئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، وعدم الرغبة بسواه لتولّي هذه المسؤولية في هذا الظرف تحديداً. هذا الامر، اتى ليُضاف الى المعلومات الصادرة عن مصادر بيت الوسط وبعض "صقور تيار المستقبل" ومفادها ان الصفدي هو مرشح الوزير جبران باسيل الذي ينوي وضع يده على رئاسة الحكومة، ومن الطبيعي ان يشعر الشارع السنّي بنوع من الاستفزاز بفعل هذه المعلومات، فكان رفض للصفدي من قبل المذهب السنّي.
واحقاقاً للحق، من المؤكد انّ الصفدي ليس الصورة الجديدة التي يبحث عنها كل من نزل الى الشارع على مدى شهر من الزمن، انّما لماذا اطلاق النار عليه من محيطه؟ والسؤال هو: اذا لم يرضَ الحريري بأسماء تكنوقراط تمّ عرضها عليه، فهل هذا يعني انه يحضّر للعودة الى السراي وفق شروطه الخاصة؟ هذا السؤال سيبقى في دائرة البحث خلال فترة من الوقت، علماً انه اذا كان الصفدي خارج طموح الناس في الشارع، فما هو بالحري موقفهم من الحريري والسنيورة وميقاتي وسلام؟ فالاول هو رئيس تيار سياسي وكان في موقع المسؤوليّة لاكثر من عقد من الزمن، ومن اكثر الوجوه ثباتاً في رئاسة الحكومة خلال السنوات الماضية، وهذا كاف لجعله "غير مطابق للمواصفات" التي وضعها الحراك الشعبي او "الثورة". اما السنيورة فحدّث ولا حرج عن الموضوع، فيما ميقاتي وسلام فقدا حيادهما وابتعدا عن قائمة المقبولين وفق "شروط الثوار".
اما القول بأنّ الصفدي مرشح باسيل الراغب في السيطرة على رئاسة الحكومة، ففيه تجنٍّ واضح لان الاسم حاز على موافقة الاطراف اللبنانية كافة، ولم يظهر الحريري ايّ نيّة لمواجهة الوزير السابق او حتى لعرقلة جهوده، فكيف يكون مرشّح رئيس التيار الوطني الحر اذا اتّفق عليه الجميع، قبل ان تنقلب الامور وينام الصفدي على شيء ليستيقظ على شيء آخر؟.
يمكن اعتبار الصفدي ضحيّة الحريري لانّه كان الاكثر جدّية لخلافته، فيما يبرز سؤال فرض نفسه بعد هذه التطورات: هل يكون آخر ضحية ام انّ قطار الضحايا انطلق وهو لن يتوقف في الفترة القصيرة، وفي هذه الحالة، من هم الضحايا الآخرون الذين ينتظرون مصيرهم المشؤوم؟ ومع اصرار الافرقاء الآخرين على عدم السماح للحريري بالظهور في ثياب القداسة، من هي الشخصيّة الّتي ستكسر الجمود وتحدث الخرق المطلوب لاستعادة العافية للبنان ووضعه مجدداً على قطار الحلول المنتظرة؟.