"ثورة"، إنتفاضة، حراك، إحتجاجات، إلخ... أسماء كثيرة تختلف تبعًا لموقف المُتكلّم ممّا يحدث، لكنّ النتيجة واحدة! لبنان يعيش حاليًا إحدى كبرى الأزمات في تاريخه الحديث، وتحديدًا منذ نهاية الحرب في العام 1990 حتى اليوم. والسؤال الذي يقضّ مضاجع اللبنانيّين جميعًا من دون إستثناء، هو: كيف سنخرج من الأزمة الحاليّة؟.
من بين "السيناريوهات" التي يُمكن أن تحصل في المُستقبل القريب، أو المتوسّط، لا بُدّ من تعداد خمسة "مخارج" مَطروحة، ولوّ بنسب مُتفاوتة:
أوّلاً: مُوافقة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري على حكومة تكنو سياسيّة، وهو خيار لا يزال مرفوضًا حتى اللحظة من جانب رئيس "تيّار المُستقبل"، بحجّة أنّه لن يُخرِج الناس من الشارع، حيث لن يُسمح له بالعمل لمُعالجة الوضع من دون عراقيل داخليّة. لكن ربّما يتمّ تقديم المزيد من التنازلات من جانب تحالف "التيّار الوطني الحُرّ" و"الثنائي الشيعي"، بحيث يُحصر التمثيل السياسي بعدد قليل من الوزراء الذين لا يستفزّون الشارع، ليرضخ الحريري عندها ويُوافق على هذه التسوية–إن حصلت، بحيث يُصبح الغطاء السياسي واسعًا، لمُواجهة أي إعتراضات مُرتقبة من جانب الشارع.
ثانيًا: مُوافقة تحالف "التيّار" و"الثنائي الشيعي" على حكومة تكنوقراط، بحيث يحصل تفاهم مُسبق قبل تشكيل الحُكومة، على أن تكون فترة حُكمها مُحدّدة زمنيًا، وصلاحيّاتها مَحصورة بمُعالجة الشأنين الإقتصادي والمالي فقط لا غير، على أن يتمّ تجميد وإرجاء أيّ بحث في أيّ من الأمور السياسيّة المُهمّة. وعلى الرغم من مُعارضة تحالف "التيّار" وقوى "8 آذار" الحازم حاليًا، لأي حكومة خالية من السياسيّين بشكل كامل، فإنّ الإحتمال يبقى قائمًا ولوّ بنسبة ضئيلة جدًا، باعتبار أنّ ضغط الإنهيار الإقتصادي والمالي، قد يدفع إلى تبديل الأولويات، خاصة في حال النجاح في التفاهم مُسبقًا على موعد إستقالة الحُكومة بعد إتمام مُهمّة إعادة الثقة. لكن حتى اليوم، لا يزال الرفض هو القائم بالنسبة إلى هذا الخيار، بحجّة أنّه يُشكّل تجاوزًا لنتائج الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، وتنفيذًا لإملاءات خارجيّة مُعادية لمحور "المُقاومة والمُمانعة"، وكذلك إلتفافًا على دُستور الطائف الذي يضع السُلطة التنفيذيّة بيد الحكومة مُجتمعة، ما يستوجب تمتّعها بحدّ أدنى من الوجود السياسي.
ثالثًا: خروج الحريري نهائيًا من سباق التكليف، وإفساح المجال أمام شخصيّة يُسمّيها، لتقود حكومة تكنو سياسيّة تحظى بغطائه وكذلك بغطاء تحالف "التيّار" و"الثنائي الشيعي". لكنّ مُحاولة تمرير إسم الوزير السابق محمد الصفدي الأسبوع الماضي، جاءت غير مُشجّعة بالنسبة إلى هذا الخيار. ولربّما تبدّل الموقف لوّ جرى إختيار شخصيّة أخرى لرئاسة الحُكومة من خارج المَنظومة السياسيّة التقليديّة، علمًا أنّ جهات عدّة تعتبر أنّ عرقلة هذا الخيار تتأتّى سرًّا من رئيس "تيّار المُستقبل"، قبل أن تكون من الخشيّة من عدم تجاوب الناس في الشارع مع هذا الطرح، حيث يُردّد خُصوم رئيس الحكومة المُستقيل أنّ هذا الأخير يسعى لتعزيز شروط تفاوضه عبر إطلاق هذه المُناورات، علمًا أنّ هذا الموضوع تسبّب بردود إعلاميّة متبادلة بين "التيّار" و"المُستقبل".
رابعًا: التخلّي عن الحريري، وتشكيل حكومة "لون واحد"، وهذا خيار يعني عمليًا الخروج عن "التسوية الرئاسيّة" على المُستوى الداخليّ، بحيث يتمّ إخراج كل من "تيّار المُستقبل" وحزبي "القوات اللبنانيّة" و"التقدمي الإشتراكي" من الحُكم، خلافًا لكل تفاهمات التسوية، في حين يبقى كلّ من "التيار الوطني الحُرّ" وقوى "8 آذار" داخل السُلطة، باعتبار أنّ هذا الفريق الأخير يملك أغلبيّة عدديّة في المجلس النيابي، ويُمكنه القيام بهذا الأمر. لكن لا شكّ عندها أنّ هذا الفريق سيُواجه مُعارضة داخليّة شرسة، إضافة إلى ضُغوط خارجية مُتصاعدة. وسيكون من السهل إستغلال موجة الإحتجاج الشعبي بشكل أكبر من قبل أكثر من فريق سياسي، مع ما يعنيه هذا الأمر من مخاطر إضافية على الإستقرار، ومن تصاعد لأجواء التوتّر القائمة، من دون أن ننسى مخاطر سُقوط كل القروض المَوعودة في "مؤتمر سيدر"، بضغط أميركي–غربي-خليجي لا يريد زيادة نُفوذ "محور المُقاومة والمُمانعة"، لا محليًا ولا إقليميًا.
خامسًا: بقاء حال المُراوحة لفترة طويلة، بمعنى أن تدور الجهود القائمة للتكليف وللتشكيل في حلقة مُفرغة، كل مرّة لسبب أو لأسباب مُعيّنة، بحيث يتقدّم عندها خيار تعويم حكومة تصريف الأعمال، تجنّبًا للفراغ الكامل. لكنّ هذا الخيار يُعتبر الأكثر سوءًا بين مُختلف الخيارات السابقة، ويُعارضه أكثر من طرف، لأنّ أضراره على الإستقرار الداخلي لا تُحصى ومُدمّرة، خاصة على الوضعين الإقتصادي والمالي. وعلى الرغم من أنّ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون يؤخّر إطلاق إستشارات التكليف بشكل مُتعمّد، منعًا لأن يُمسك رئيس الحكومة المُكلّف بزمام اللعبة، من دون توفّر القُدرة على سحب التكليف منه في حال تأخّره عن إتمام التأليف–كما حصل عند تشكيل الحكومة الحاليّة بُعيد الإنتخابات النيابيّة، فإنّ المعلومات تُشير إلى أنّ الأمور لن تستمرّ مَفتوحة إلى ما لا نهاية، وأن مسألة المُراوحة في تحديد موعد الإستشارات النيابيّة لن تتجاوز بضعة أيّام أو أسابيع قليلة على أبعد تقدير.
في الخلاصة، لا شكّ أنّ لكل "مخرج" من المخارج المَطروحة في التداول، سيّئات وحسنات، والأمور مَرهونة باختلاف تقييم كل فريق من الأفرقاء الداخليّين الرئيسيّين، لنسبة نجاح كل إقتراح، وكذلك لحجم الضُغوط الخارجيّة المَرغوبة. وفي إنتظار أن تتجه الأمور نحو هذا الخيار أو ذاك، لا شكّ أنّ اللبنانيّين يعيشون حالاً من القلق الشديد، ليس على مُستقبلهم ومُستقبل أولادهم فحسب، إنّما على حاضرهم أيضًا. والخوف الأكبر من أن يتحوّل هذا القلق–ما لم تتمّ مُعالجته بسرعة، إلى حال من اليأس التام والنقمة على كل شيء وحتى إلى العوز والإفتقار إلى لقمة العيش!.