في مُقابل دعوات الفريق الذي يُطالب بُحكومة مُستقلّة وخالية من الأحزاب كلّها، للإنكباب على مُعالجة الوضعين الإقتصادي والمالي، يُوجد فريق آخر يُصرّ على أن تكون الحُكومة المُقبلة سياسيّة لكن وفق أسلوب جديد، بمعنى أن تضمّ شخصيّات أكاديميّة ومُتخصّصة بمجالات عملها، إضافة إلى مُمثّلين عن "الحراك الشعبي"، إلى جانب التمثيل السياسي المَعروف. وتُوجد حاليًا مُحاولات جدّية لتغليب رأي الفريق الثاني، بحجّة تجنّب الإنهيار الكامل. فهل يُمكن أن تنال حكومة تكنو–سياسيّة ثقة المجلس النيابي، والأهمّ هل يُمكن أن تحكم؟.
بحسب رأي المُحتجّين في الشارع، ومن خلفِهم مَجموعة من القوى والأحزاب السياسيّة التي إنتقلت إلى صُفوف المُعارضة، الوضع الداخلي لم يعد يحتمل ترف التأجيل على مُختلف الصُعد، ما يستوجب المُبادرة سريعًا إلى تشكيل حُكومة خالية من السياسيّين، تكون مُهمّتها مَحصورة بمُعالجة الأوضاع الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة المُتدهورة، على أن تترك الملفّات السياسيّة في ثلاجة الإنتظار حاليًا.
من جهة أخرى، وبحسب رأي كل من "التيّار الوطني الحُرّ" و"الثنائي الشيعي" إنّ الوضع الداخلي المأزوم لم يعد فعلاً يحتمل أيّ تأجيل للقرارات المصيريّة، ما يستوجب حسم الرأي سريعًا، للمُضيّ في خطوات تشكيل الحكومة المُقبلة التي ستُلقى على عاتقها مهمّة إستعادة الثقة والشروع في مُعالجة الأوضاع المتردّية. لكن هذا الفريق يُصرّ على حكومة تكنو-سياسيّة، وهو حسم رأيه في هذا السياق، حيث أسقط كليًا خيار الحكومة الخالية من السياسيّين–كما يُطالب رئيس الحكومة المُستقيل. وبالتالي، كيف سيكون شكل الحُكومة المُنتظرة، ومن سيرأسها؟.
بالنسبة إلى شكل الحُكومة المُتوقّع، فهي ستكون مُتوسطة الحجم، أي لا صغيرة ولا فضفاضة، حيث يُتوقّع أن يتراوح عدد أعضائها ما بين 20 و24 وزيرًا. ومن المرجّح أيضًا أن تضمّ عددًا قليلاً من الشخصيّات السياسيّة المَعروفة، إلى جانب عدد كبير من "الإختصاصيّين" أي من الشخصيّات المُتخصّصة في مجال عملها والذين سيتمّ إختيارهم من قبل القوى السياسيّة التي ستوافق على المُشاركة في الحُكومة المُقبلة، وستؤمّن الغطاء لها، على أن يكونوا من العناصر الشابة والأكاديميّة والمُتخصّصة وغير المَعروفة بالنسبة إلى الرأي العام الواسع، والأهمّ على أن يكونوا من الّذين لا غُبار على مسيرتهم المهنيّة وعلى مناقبيّتهم وعلمهم، إلخ. كما يُنتظر أن يتمّ تطعيم الحُكومة المُقبلة، بعدد من الشخصيّات التي تُمثّل "الحراك" في الشارع.
وبالتالي، قد تكون الأيّام القليلة المُقبلة فاصلة، لمعرفة رأي رئيس الحكومة المُستقيل، إزاء هذه الحُكومة، بحيث إذا أصرّ على رفض تكليفه لرئاستها، سيتمّ تأمين شخصيّة أخرى لتنفيذ هذه المهمّة، بالتوافق مع رئيس "تيّار المُستقبل"–إن أراد، ومن دون مُوافقته إنّ أصرّ على عدم التسمية! وبعد تحديد الإستشارات النيابيّة لتكليف الشخصيّة المُختارة رسميًا، سيتمّ خلال الأسابيع المُقبلة إجراء إتصالات واسعة مع مُختلف القوى السياسيّة الداخلية، لا سيّما من تلك المَحسوبة على تحالف "التيّار الوطني الحُرّ" مع قوى "8 آذار"، لحثّها على المُشاركة، عبر إنتداب إختصاصيّين من قبلها ليكونوا في الحكومة المُنتظرة، وذلك بهدف تأمين أغلبيّة نيابية كافية لنيل الحُكومة الثقة.
وبالتالي، في حال أصرّ رئيس حكومة تصريف الأعمال على رفض العودة إلى الحُكم على رأس حكومة تكنو-سياسيّة، وبالأخصّ في حال أصرّ على رفض إنتداب من يُمثّله–على الأقلّ، فإنّ الأمور ستأخذ عندها منحى أكثر دقّة وخُطورة. لأنّ تمرير حُكومة تكنو–سياسيّة من لون واحد، في هذه الظُروف، صعب جدًا، حيث أنّ الأحزاب المُعارضة لن تتأخّر في رُكوب مَوجة الشارع الغاضبة، للعمل على إفشال مساعي تشكيل الحُكومة، من لحظة التكليف، مُرورًا بمرحلة إتصالات التشكيل، وُصولاً إلى يوم نيل الثقة. أكثر من ذلك، من المُتوقّع أن تنال أيّ حُكومة من هذا النوع، مُعارضة شرسة طوال فترة حكمها–هذا إذا ما سلّمنا جدلاً، أنّ الفريق الداعم لها، نجح في تشكيلها وفي تأمين أغلبيّة نيابيّة إلى جانبها، علمًا أنّ هذا الأمر غير محسوم إطلاقًا، في ضوء تردّد الكثير من النوّاب غير الحزبيّين لكن المَحسوبين على تحالف "التيّار"–قوى "8 آذار". والأكيد أنّ الأحزاب التي ستخرج من السُلطة لن تلعب دورًا مُسهّلاً للقوى الحاكمة، والأكيد أيضًا أنّ الناس المُعترضة في الشارع ستعتبر أي حُكومة غير مُستقلّة كليًا بمثابة تحدِّ لإرادتها. أضف إلى ذلك، انّ الكثير من الدول الخليجيّة والغربيّة، ستتخذ من أيّ حكومة لون واحد، ذريعة، لزيادة الضغوط السياسيّة والإقتصاديّة على لبنان.
في الخُلاصة، إنّ ما حصل في المجلس النيابي أمس، يُؤكّد أنّ الأغلبيّة الحاكمة لن تُسلّم السُلطة بشكل طوعي، وهي ترفض ما تعتبره فراغًا مُدمّرًا يطالب به المُتظاهرون. وبالتالي، إنّ "التيّار" الذي لديه 11 وزيرًا في حكومة تصريف الأعمال، لن يخرج من السُلطة في العهد الرئاسي الذي يعتبره عهده في نهاية المطاف، و"حزب الله" الذي يعتبر نفسه مُنتصرًا في الإقليم، لن يخرج بدوره من السُلطة في عزّ الهجمة الإقتصاديّة الشرسة عليه، وبالتالي، إنّ "حزب الله" و"الوطني الحُرّ" حسَما خيارهما، لجهة الدفع نحو تشكيل حُكومة تكنو-سياسيّة بمَن حضَر، مع بقاء موعد تنفيذ هذا التوجّه غير واضح، وهو يُصبح واقعًا بمجرّد سُقوط كل الخيارات الأخرى. ومسألة نجاح أو فشل هذه المُغامرة، لا يُمكن التكهّن بها من اليوم على الإطلاق، حيث أنّها مرهونة بجملة واسعة من العوامل الداخليّة والخارجيّة. لكنّ المُؤشّرات والمُعطيات الحالية، لا تدعو إلى التفاؤل إطلاقًا!.