لم يطل انتظار “اسرائيل” طويلا لتخرج من دائرة الخفاء والدّخول علانية على خطّ الإحتجاجات والفوضى “المطلوبة” في ساحات محور المقاومة، خصوصا في ظلّ تأزّم بنيامين نتنياهو داخليّا ونيّته تصدير مآزقه صوب حرب خارجيّة باتت امامه الخيار الوحيد المتبقّي، للفرار من جولة انتخابات ثالثة ستُقصيه على الأرجح عن المشهد السياسي وتضعه على مقصلة المحاكمة بتهم الفساد التي تكبّل عنقه.. الا انّ “محظور” ما كان يخشاه الأخير.. داهمه أخيرا، عندما وجّه له المدّعي العام “الإسرائيلي” اليوم، تهم ارتكاب مخالفات جنائيّة “خطيرة” سرعان ما اعتبرها محاولة انقلاب عليه.. يأتي ذلك بعد تواتر تسريبات في الداخل “الإسرائيلي” الأسبوع الماضي، كانت لفتت الى نيّة نتنياهو الذهاب الى تصعيد خطير في المنطقة بتشجيع سعودي-اماراتي خارج ارادة الرئيس الأميركي، على ان تبدأ الجولة الأولى بتسديد غارات مكثّفة على مناطق في سورية، مرورا بتوجيه اخرى على العراق، واحتمال الوصول الى ضربات ضدّ حركة “انصار الله اليمنيّة”..
صباح الثلاثاء الماضي، نفّذت طائرات “اسرائيليّة” غارات مكثّفة صوب محيط مطار دمشق الدولي، قبل ان تعاود الكرّة صباح اليوم التالي، “ضدّ مواقع سوريّة وايرانيّة في محيط دمشق ردّا على صواريخ أُطلقت من سورية على الأراضي الإسرائيلية”- بحسب زعم بيان الجيش “الإسرائيلي” – الذي كان يُطلق بالتزامن تمرينا عسكريّا مفاجئا في الجليل، بهدف “فحص جهوزيّته في الشمال”، شارك فيه الاف الجنود من الإحتياط وقوات من سلاح الجوّ والبرّ والإستخبارات والإمداد، رافقها إطلاق صافرات الإنذار ودويّ انفجارات وتفعيل نظام هاتفي لاستدعاء قوات اضافية من جنود الإحتياط.
تدريبٌ مفاجئ يأتي في سياق تهويل “اسرائيلي” مركّز على قرب حرب مزمعة مع ايران وحلفائها بدا واضحا من خلال توقيت كلام السفير “الإسرائيلي” السابق لدى الولايات المتحدة مايكل اورن، الذي وصف الحرب التي تتوقّعها “اسرائيل” مع ايران ب “سيناريو رعب”، مستندا في كلامه لصحيفة “ذا اتلانتيك” على مداولات قال إنّ المجلس الوزاريّ المصغّر بحث هذا السيناريو مرّتين في اسبوع واحد، مصوّبا في حديثه على ترسانة حزب الله الصاروخيّة التي ستشلّ “اسرائيل” اقتصاديّا وماديا واستنزافها عسكريّا.. هذا قبل ان يسارع وزير الحرب “الإسرائيلي” امس الأربعاء عقب جولتَي الغارات الصاروخيّة “الإسرائيلية” على محيط دمشق، الى الإعلان “انّ قواعد اللعبة تغيّرت، متوعّدا ب”قطع أذرع الأخطبوط الإيراني في كلّ مكان” -بحسب تعبيره..
ولكن.. لإيران ومحورها..رأيٌ آخر!
سريعا جاء الرّد من حركة انصار الله اليمنيّة، التي باتت تتربّع في الصفوف الأماميّة لمحور المقاومة.. للمرّة الثانية في غضون ايام، جدّد المتحدث باسم الحركة تهديداته لإسرائيل، متوعّدا بضرب اهداف حيويّة داخلها، بعدما تلقّت التهديد الأول من السيّد عبد الملك الحوثي، والذي بدا غير مسبوق اذ هي المرّة الأولى التي يمرّر فيها الأخير تهديدا مباشرا لإسرائيل وتحذيرها من عزم حركته على الردّ باستهداف مواقع “حساسة جدا” داخل الكيان، ردا على اتهام بنيامين نتنياهو لصنعاء بأنها تجهّز الإعداد لهجمات ضدّ “اسرائيل”، ليبدو واضحا انَ اللعب هذه المرّة “بات على المكشوف” ضدّ الأصيل وليس من خلف الستار عبر الوكيلَين السعودي والإماراتي.
وسريعا تلقّفت دوائر القرار “الإسرائيليّة” رسالة حركة “انصار الله” الناريّة لتضيفها الى رزمة التهديدات التي تواجهها.. يُبادر الباحث في مركز بيغين- السادات للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل ابيب، الجنرال السابق غرشون هكوهين، الى التحذير الجدّي من “قدرات “الحوثيّين” العسكرية التي بدت واضحة في هجماتهم الأخيرة ضدّ منشآت النفط السعودية بمشاركة صواريخ وطائرات مسيّرة موجّهة عن بعد، والتوقّف مليّا امام التكنولوجيا المتطوّرة التي باتت بحوزتهم، والتي تشغّلها عقول وأدمغة ذكيّة”.. تقارير صحافية روسيّة كانت لفتت الى “تجديد” التحذيرات الروسية الى تل ابيب عقب الغارات “الإسرائيليّة” الأخيرة على محيط دمشق، ولكن هذه المرّة شملت تهديدات جدّية تحيط بإسرائيل من كلّ جانب. خبراء ومحلّلون عسكريون روس استندوا في معطياتهم على معلومات استخباريّة تفيد بأنّ الرّد على رسالة اشعال ساحات محور المقاومة منذ مطلع تشرين الأول الفائت التي بدأت في العراق، قد يكون قريبا جدا و”اسرائيل” ستكون الوُجهة الرئيسية لاستهداف موجع وخطير، طالما انّ طهران اتهمت صراحة اميركا واسرائيل والسعودية بالوقوف خلف الإحتجاجات على اراضيها، كما في العراق ولبنان.
لم تُغفل المعلومات التصويب على حدث غير مسبوق قد يفاجئ واشنطن قريبا من البوابة السورية في خضمّ ” المنازلة” الدائرة بين المحورّين المتقابلَين ..خصوصا في شرق الفرات، ردّا على سرقة النّفط السوري بمعيّة “اسرائيل” عبر الوكيل الإنفصالي الكردي.. لربما وجب على الإدارة الأميركية التوقّف مليّا عند تحذير سفيرها السابق في سورية روبرت فورد في حديثه مؤخرا لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، مرجّحا ان يبادر الجيش السوري وحلفاؤه الى البدء بعمليّات “غير تقليدية” في شرق الفرات، عبر هجمات “الدرون” وسيارات مفخخة او زرع عبوات ناسفة على جوانب الطرق ضدّ قوافل القوات الأميركية.. وهذا يُعيدُنا الى كلام لافت وهام للرئيس السوري بشار الأسد بإحدى مقابلاته الأخيرة، حيث لوّح بمقاومة عسكرية ضدّ المحتلّ الأميركي لإخراجه من سورية!
كلام الرئيس الأسد الذي ابرز ارتياحا وثقة واضحَين في مقابلاته الأخيرة حيال المرحلة القادمة، سار على وقع معلومات سُرّبت عن شخصيّة فرنسيّة استخباريّة سابقة، كشفت عن قرار “من العيار الثقيل” قد يُطلقه الرئيس السوري قريبا حيال الغزو التركي لبلاده.. ولم تُغفل المعلومات الإشارة الى ما وصفته “حدث دراماتيكي” وشيك يلي “فضيحة” غير مسبوقة تهزّ المنظومة الأمنيّة في “اسرائيل”، يواكبها مستجدات “هامّة” تخرق “فوضى” الإحتجاجات في بغداد وبيروت، وتمثّل رسالة غير متوقعة من محور المقاومة “الى من يهمّهم الأمر”.