لم يتوقف نشاط عصفور رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط في الآونة الاخيرة، فتغريداته توالت يوماً تلو الآخر مع كل ما تضمنته من انتقادات لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل من جهة، و"غزل" برئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري من جهة اخرى. ولكن اللافت في هذه التغريدات كان اعتبار صاحبها ان الطائف انتهى. هذا الموقف يحمل معه الكثير من اللغط والغموض والتساؤلات، فإذا اعتبر جنبلاط، وهو الذي لطالما كان المدافع الشرس الاساسي عن اتفاق الطائف، انه بات منتهياً وبالتالي في حكم الميت، فهو يرتقب او يتوقّع او يملك معلومات عن امكان جهوزيّة البديل. في الواقع، ليست المرّة الاولى التي يتمّ فيها الحديث عن بديل للطائف، فهو اثبت انه يملك في بنوده من الغموض، ما هو كاف لاعادة النظر ببعض ابرز عناصره، ولكن نفض اليد من هذا الاتفاق تستوجب بطبيعة الحال التوصل الى اتفاق آخر، غير انّه هذه المرة هناك الكثير من التعقديات الاضافيّة التي فرضت نفسها، واوّلها عدم القدرة على التغاضي عن التحرّكات التي شهدتها الشوارع اللبنانيّة منذ اكثر من شهر، واعتبارها عنصراً اساسياً في ايّ لقاء قد يطرأ.
من حيث الشكل، لا بدّ من التوقّف امام الاعلان عن "موت الطائف" على لسان طرف آخر فيما كان المسيحيون متّهمون بالتعطّش للاعلان عن انهاء هذا الاتّفاق لانهم يشتكون من انتقاص حقوقهم فيه، اضافة الى انّ العديد من بنوده لم يتمّ تنفيذها بسبب مصالح طائفيّة ومذهبيّة وسياسيّة تبيّن مع الوقت ان من شبه المستحيل الوصول اليها في عالم الواقع، وسيكون من ركائز البحث الذي سيدور على طاولة المفاوضات التوقف عند موضوع الثنائيّة او المثالثة او ربّما تخطّي هذه الارقام الى اعداد اخرى تثير القلق والخوف لدى من سيبحثها.
على ايّ حال، هناك امر شبه مؤكد ومفاده انّ ايّ لقاء جديد سيكون خارج الحدود الجغرافيّة العربيّة، بعد ان احتلت السعوديّة وقطر مساحة كبيرة في التاريخ اللبناني الحديث، فيما تعود الانظار الى القارّة العجوز التي كانت محطّة جنيف في الماضي و"سان كلو" في المدى القصير نقطة ايجابيّة في مسار الخلافات اللبنانية. واياً تكن وجهة البلد المستضيف (من المنطقي هذه المرة ان تكون فرنسا ايضاً هي الاكثر ترجيحاً للعب دور الحاضن)، فإنّه من المهم النظر الى الموضوع برؤية تلاقي التغييرات والتطورات المتلاحقة التي عاشتها المنطقة ليس فقط في لبنان، بل في سوريا والعراق واليمن، والضياع الحاصل على مستوى دول الخليج، والصراع المتجدّد بين الولايات المتحدة وايران، والحضور الروسي الذي زاد اضطراداً في الشرق الاوسط، وعلى لبنان ان يتماشى مع كل هذه الامور اذا ما اراد الخروج بصيغة تؤمّن استمراره مستتقبلاً في ظل استقرار امني واقتصادي ومالي. ومن البديهي السؤال عن مصير الموارد الطبيعيّة اللبنانيّة (المقصود الغاز والنفط)، ومصير النازحين السوريين، وكيفية مقاربة الدول الكبرى للحلول هذه المرة وما اذا كانت قصيرة او طويلة المدى. تعتبر تغريدة جنبلاط بمثابة "لفتة نظر" للجميع باننا نسابق تدويل الازمة بشكل رسمي بعد ان كان هذا الامر مبطّناً، فيما الثابت الوحيد سيكون استمرار سلاح "حزب الله" وفق الهوامش المتّفق عليها والتي كانت سائدة منذ العام 2006 وحتّى اليوم، فهذا الموضوع شئنا ام ابينا ليس لبنانياً والبتّ به يعود الى مصالح الدول الكبرى في المنطقة.
الى اين؟ هو السؤال الذي يطرحه جنبلاط، والذي يبدو انّ الاجابة عليه ستكون من خلال حلّين: اما اعتماد الترقيع لتمرير هذه المرحلة والعودة الى ما كنّا عليه سابقاً، او التهيئة لاتّفاق جديد تطلقه شرارة امنيّة (على غرار ما حدث خلال عام 2008) ويكون ركيزة لمرحلة جديدة من تاريخ لبنان.