لم يعد مزاج الشارع اللبناني هو ذاته منذ إنطلاق الحراك الشعبي منذ ستة أسابيع. تبدّلت الآراء لوجود عوامل عدة تركت آثاراً سلبية على الحراك، أبرزها دخول أحزاب سياسة وشخصيات ركبت موجة الشارع، إضافة الى سوء الأوضاع الإقتصادية التي زادها انحداراً موضوع قطع الطرق، إلى حد سقوط ضحيتين على الطريق الساحلي بين الجنوب وبيروت، بعد حادثتي الشويفات وشتورا.
مشهد احتراق سيارة حسين شلهوب وحديث ابنته الناجية من الحادثة كانت هي السبب المباشر لخروج الناس الى الشارع في الضاحية الجنوبية لبيروت، فحصلت وقفة تضامنية في منطقة المشرفية سرعان ما إمتدّت تداعياتها في مواكب دراجات نارية الى مناطق أخرى، وكاد ان يفلت الشارع بعد اطلاق نار في الطريق الجديدة واستعراضات في مناطق أخرى.
الخطير أن شباباً أطلقوا شعارات ذات بعد طائفي، مما اكد ان تلك التصرفات ليست منظّمة، بل تأتي في إطار رد الفعل على خطاب يظن هؤلاء الشباب انه يستهدف احزابهم ووجودهم، ويشعرون ان "هناك مؤامرة عليهم من قبل قوى دولية بواسطة أدوات داخليّة". توحي كل تصرفاتهم في الشارع خلال الساعات الماضية بدءاً من حادثة "الرينغ" ليل الاحد، وصولا الى مسيرات الدراجات النارية ليل الإثنين أن هناك شارعاً لبنانياً بات مشحوناً، وهو شارع لا يمكن التغاضي عن هواجسه. سقط بعض المتظاهرين في الحراك الشعبي بفخ إنتفاخ الحجم، وظنّوا ان كل الشعب اللبناني يقف في الساحات يحمل ذات العناوين التغييرية. واذا كان الحراك محقاً بأن المطالب محقّة، لكن العناوين السياسية الداخلية والإقليمية لا يتوافق عليها الشعب اللبناني.
لم تعد القصة مسألة مطالب وهموم معيشية، بل صارت أزمة سياسية بعد دخول أحزاب الى صلب الحراك وصارت أحد مكوناته وأبرز دعائمه وسبيل وجوده، كحال القوّات في زحلة مثلاً، وإستغلال قوى لتظاهرات المواطنين، وتوظيف شخصيات كرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري لعبة الشارع في مسألة قطع الطرق لصالح أجندته الشخصية.
كل تلك العناوين، إضافة الى قطع الطرق على مساحة زمنيّة بلغت ستة أسابيع، فجّرت شارعاً آخر، فخرج مناصرو "الثنائي الشيعي" الى ممارسة لعبة الشارع التي يعتبرون أنفسهم ملوكاً فيها. وبحسب المعلومات فإن حركة "أمل" و"حزب الله" لا يرغبون بإنفلات الشارع، لكن لن يستطيعوا ضبط شارعهم في حال حصل إقفال للطرق، وبالتالي باتت المعادلة: قطع لأي طريق يعني تحرك الشارع المقابل. من دون أن يحصل خرق لهذه المعادلة. كيف يمكن ربط العناوين ببعضها؟
برزت خلال الأزمة دلائل انفراجات في موضوع تكليف رئيس لتأليف الحكومة، لكن بحسب المطّلعين، "كان الحريري يبدي استعداده لتسهيل المهمة علناً ويعمد الى تحريك الشارع للرفض عملياً"، يقول المطّلعون أنفسهم ان هذه اللعبة مارسها الحريري مراراً. وعلى ذمة المطّلعين "فإن الحريري حرّك شارعه عبر قطع الطرق ليل الأحد بعد تقدّم حظوظ مبادرة سوقها الفرنسيون مع دول خليجية، وتقوم على أساس تكليف شخصية سياسية غير الحريري لتأليف حكومة تكنو-سياسية".
لكن هل تحمل لعبة الشارع رسالة لأحد آخر؟ يرى مراقبون أن قائد الجيش العماد جوزاف عون معني بالرسالة، على أساس ان تفرّج الجيش على قطع الطرق يعني دخول البلد في لعبة شوارع متقابلة، مما يضع لبنان في وضع أمني خطير، قد يتحمّل مسؤوليته قائد الجيش لاحقاً، بعدما تحدث عن عدم السماح بقطع اي طريق، ولم يُترجم كلامه على أرض الواقع.
ومن هنا جاء كلام محللين سياسيين وإعلاميين وسياسيين عن "مسؤولية العماد جوزاف عون في سقوط ايّ نقطة دم على الطريق". كما أتى في ذات السياق حديث وزير الدفاع الياس بو صعب عن ان قطع الطرق لم يعد مسموحاً.