على الرغم من الجولات الاستطلاعية للموفدَين الفرنسي والبريطاني إلى لبنان للوقوف عن قرب على حقائق ما يجري، فإن ذلك لا يعني وجود نظرة دولية في مقاربة الأزمة في لبنان، لا بل ان ما يتسرب من معلومات عن لقاءات باريس الأسبوع المنصرم بين الثلاثي المهتم بالشأن اللبناني، الفرنسي والاميركي والانكليزي تؤكد وجود عدم توافق بين هذه الدول على مقاربة موحدة للوضع في لبنان، كما انهم لم يتوافقوا على مبادرة مشتركة، أو على نوعية الحكومة الجديدة، لكنهم اتفقوا على نقطة واحدة وهي تقديم مساعدات ذات شأن للبنان في حال شكلت حكومة تأخذ بعين الاعتبار مطالب الشعب المنتفض من جهة، وتحظى بقبول دولي من جهة أخرى.
وقد عكس الموفد الانكليزي الذي زار لبنان في الساعات الماضية هذا الابتعاد الدولي في الرؤية حيال ما يجري في لبنان، وقد أخذت هذه الزيارة الطابع الاستطلاعي على غرار ما فعل الموفد الفرنسي الذي سبقه بأسبوع في زيارة لبنان، وان النصيحة الوحيدة التي اسداها المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية ريتشارد مور، عدا الدعوة الملحة إلى ضرورة احترام أمن وسلامة المتظاهرين، فإنه نصح بضرورة الإسراع في البدء في الاستشارات النيابية لتأليف حكومة جديدة، وكان الموفد الانكليزي أوضح من الموفد الفرنسي في تحديد الشكل الذي ترغب بريطانيا ان تكون عليه الحكومة العتيدة وهو حكومة تكنوقراط، بينما الموفد الفرنسي لم يمانع في تشكيل حكومة جامعة، ويأتي الموقف الفرنسي هذا من منطلق ان باريس تأخذ بعين الاعتبار الواقع اللبناني، بينما الأميركي والانكليزي في اتجاه آخر.
وفي تقدير مصدر وزاري سابق مطلع عن كثب على الدور الذي تلعبه فرنسا في لبنان ان هناك خلافا بين واشنطن وباريس حول نوعية الحكومة الجديدة في لبنان، ويقابل ذلك خلاف اميركي- روسي حول دور ووجود «حزب الله» في الحكومة، حيث ان المسؤولين الروس سألوا نظراءهم الأميركيين هل إذا خرج وزراء «حزب الله» من الحكومة ينتهي دور إيران في لبنان والمنطقة؟ في دلالة واضحة على ان روسيا لا تعطي هذا الأمر الاهتمام على عكس الأميركيين الذين يعتبرونه أولوية في سبيل تقديم يد العون للبنان.
ويجزم المصدر بأن الأزمة في لبنان بحد ذاتها ليست أزمة داخلية بل هي مرتبطة بشكل وثيق بما يجري في المنطقة، فنحن اليوم امام مأزق حقيقي، فلا الانتفاضة قادرة على التحوّل إلى مشروع حكم، ولا الحكم قادر على تلبية مطالب الحراك، وبالتالي فإننا أمام حائط مسدود ليس في مقدور أحد التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، فالمشكلة الآن لا تتعلق باسم الشخصية التي ستتولى تأليف ورئاسة الحكومة، بل المشكلة تكمن في أي حكومة ستؤلف، فكل الأسماء التي تطرح هي أسماء لا غبار عليها ويتمتع أصحابها «بالآدمية» لكن هذا وحده ليس كافياً ما لم يكن مترافقاً مع قدرة على استنباط الحلول خصوصاً للأزمة الاقتصادية والنقدية إضافة إلى الغطاء السياسي والشعبي، وألا يوجد على مَن يُكلف بالتأليف أي فيتو من أية جهة في لبنان، ومقبولاً من المجتمع الدولي غير البعيد عن الشأن اللبناني.
وفي تقدير المصدر انه على الرغم مما يقال عن قرب تحديد موعد الاستشارات النيابية، فإن الأمور ما تزال غير ناضجة، وأن عملية التأليف في ضوء الموقف الذي اطلقه الرئيس سعد الحريري ما تزال تحتاج إلى بعض الوقت، الا إذا كان هناك اتجاه إلى الذهاب نحو حكومة مواجهة وهو قرار حتى الساعة لم يُتخذ بعد، كما ان حكومة تكنوقراط قد أسقطت من أجندة البحث وبذلك نكون ما زلنا في الدوامة ولم نغادر بعد المربع الأوّل من الأزمة.
ويعتبر المصدر الوزاري السابق المطلع على حيثيات ما يجري إن في الصالونات السياسية أو في الشارع والساحات اننا اليوم امام حرب استنزاف، فالثوار يستنزفون الدولة، والدولة بدورها تستنزف الثوار، وفي مقابل هذا المشهد فإن المجتمع الدولي يقف موقف المتفرج لا بل هناك خلافات تعصف بين أصحاب القرار حول الرؤية لحل الأزمة في لبنان، وهذا يعني اننا ربما نكون امام أزمة طويلة الأمد.
واستبعد المصدر تحديد موعد الاستشارات في غضون الساعات المقبلة، ومرد ذلك إلى الرغبة في اجراء المزيد من الاتصالات لتجنب أي دعسة ناقصة خصوصاً وان الشارع في قمّة غليانه، إضافة إلى وجود عدد كبير من النواب في الخارج يتعذر عليهم العودة بسرعة، متوقعاً ان تنكشف اليوم وغداً الاتصالات لحسم اسم من سيتولى رئاسة