الى الحرب الأهلية؟سقط اللبنانيون في الفخ. المسؤول مجدّداً عن السقوط هو النظام الطائفي الذي يُنتج خطاباً فئوياً، وممارساتٍ لم تلغها مشاهد التظاهرات في حراك شعبي إنطلق في السابع عشر من شهر تشرين الأول، لكن اسباباً بالجملة أضاعت أهداف اللبنانيين الصادقة في بازار الحسابات السياسية الداخلية بعدما ركبت أحزاب موجة الحراك، وعدم واقعية "حراكيين" في نظام طائفي معقّد يحتاج اولاً الى الإقتلاع، والتوظيفات الخارجيّة للحراك الشعبي لخدمة أهداف تتعلق بنزع صواريخ "حزب الله" الردعيّة الدقيقة، وترسيم الحدود الجنوبيّة وفق الرؤية الإسرائيليّة، بما يفقد لبنان مساحات كبيرة من مناطق الغاز في البحر. هذا ما يردّده القلقون من إستمرار المنطق الرفضي للحراك.
ليس الشعب هو المسؤول عن ضياع الأهداف النبيلة، بل هو النظام الطائفي القائم الذي يحرّك الغرائز ويكاد يأخذ لبنان إلى حرب أهلية. جملة واحدة مغرضة، أو شائعة عبر الواتساب كفيلة بإشعال التوتّر في الشارع في لعبة خطرة يدفع أثمانها المُكلفة كل اللبنانيين. هل نستسهل لعبة الشارع؟ هل نستخفّ بالحرب الأهلية التي تبدأ عادة بشحن، وتوتّرات، وصدامات؟ إن تلك المشاهد تحصل الآن في بيروت، وعلى "خط تماس الحرب" في الشيّاح-عين الرمانة، وفي طرابلس، وبكفيا، ومناطق أخرى.
إن حضور متظاهرين من طرابلس الى عين الرمانة تحت عنوان الدعم هو دفع لتأجيج نار الفتن، وليس انتصاراً لشعار مطالب الناس. وكذلك إقتحام مكتب للتيار "الوطني الحر" هو إستحضار لذاكرة اللبنانيين الأليمة في مشهد المواجهة الداخليّة. إنّ قطع الطرق في "الرينغ" هو إعادة تقسيم بيروت بين شرقيّة وغربيّة. وكذلك وضع سواتر في خلدة هو محطّة مؤلمة، والشعارات الطائفيّة والمذهبيّة التي أُطلقت تدخل في مصطلحات الإنقسام والحرب الأهليّة.
ماذا ننتظر بعد لنعلن حالة الطوارئ الشعبيّة الرافضة لمشهد المواجهات؟ واذا كان الحراك بريئاً، وهو كذلك، لماذا لا يُعلن سحب كل فتائل التفجير من الشارع عبر نفض يديه من كل شتم، وقطع للطرق، ومواجهات صدام؟ هل هو عاجز عن إجهاض مشاريع فتنويّة باتت تتخذ الحراك واجهة أو مطيّة؟ لا يحق لأيّ "حراكي" ان يصنّف اللبنانيين، لكن المطلوب منه ان يسحب الغطاء عن مشاريع الفتن التي أطلّت برأسها في ساحات عدّة. والاّ سيتحمّل بعض المتحدثين او المنظّرين أو الموجودين في واجهة الحراك مسؤوليّة دفع البلد نحو حرب أهلية.
تأخّر الجيش كي يتّخذ قراراته التي إستدعت إجتماع اليرزة للأجهزة الأمنيّة الثلاثاء، لكنه قّرر بعد طول إنتظار ان يفرض الأمن على الطرق بعد سقوط ضحايا. فهل تكفي إجراءات الجيش وحده؟ بالطبع لا. بينما المطلوب من الحراك والأحزاب والجمعيّات والإعلام محاربة أيّ خطاب تصعيدي، ومواجهة أيّ تصرف إستفزازي. لقد آن الأوان للعمل الوطني الهادئ والبنّاء، وإجبار القوى السّياسية على التنازل، بعدما انتقل التعطيل من فرض الشروط الى حرق أسماء أيّ شخصيّة مطروحة لتولّي تأليف حكومة جديدة.
لا يزال الوقت يسمح للبنانيين بتجنب كأس المواجهة الميدانيّة، قبل فوات الآوان. الأمن أفضل عيش، قبل الأكل والشرب، من دون التنازل عن عناوين مطلبيّة هي لكل اللبنانيين. لكن الواقعيّة تفرض أن يفهم كل مواطن هواجس الآخر. لا يمكن للحراك ان يتّهم غيره بالتنازل عن حقوق المواطنين، ولا يمكن بالمقابل لغير الحراك أن يتّهم "الحراكيين" بتلبية أجندة خارجيّة. الفريقان على حق. لكن ماذا بعد؟ ان لبنان صار مقسوماً بين شارعين خطيرين. في كل شارع أجندة، وعناوين وشعارات وهواجس. لم يعد شارع الحراك بعيداً عن لعبة السّياسة، بوجود أحزاب في بنيته وجوهر نشاطه، عدا عن عناوينه السّياسية. إنّ تقارب الشارعين صار يحتاج الى تسوية تُنهي التأزّم ليعود الجميع الى المؤسّسات بعيداً عن الفراغ القاتل. وكل متخاذل عن الحلّ الوطني يدفع البلد الى حرب أهليّة.