بعد قرابة الشهر على استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، بات من الضروري السؤال عن الأسباب التي تمنع الأكثرية النيابيّة من المبادرة، لا سيما أنها باتت مقتنعة بأن الحريري يناور للعودة إلى رئاسة الحكومة بشروطه، التي تعتبرها أميركية المصدر بالدرجة الأولى، خصوصاً أن اللبنانيين هم من يدفع الثمن من وراء المراوحة القاتلة.
في أوساط قوى الثامن من آذار، حذر من الفتنة الطائفية أو من تحريك الحريري لشارعه، في حال شعر بأن هناك توجهاً لإختيار شخصيّة أخرى لرئاسة الحكومة، لكن في المقابل هو يعمد إلى حرق أيّ اسم يطرح للتوافق عليه، كما حصل سابقاً مع الوزيرين السابقين محمد الصفدي وبهيج طبارة، وبالتالي المطلوب الإنتظار بعض الوقت للوصول إلى تفاهم سياسي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، لا شيء يمنع الإنتظار بعض الوقت، على أمل أن يقود ذلك الحريري إلى تقديم بعض التنازلات، بعد أن بادرت هي إلى الموافقة على حكومة تكون أغلبيتها من "التكنوقراط"، لكن إذا كان هناك فعلاً فيتوهات أميركيّة تحول دون مبادرة رئيس حكومة تصريف الأعمال، فإنّ المنطق يقول انّ الرجل لن يقدم على أيّ خطوة جديدة، وبالتالي من الضروري البحث عن خيارات بديلة، تمنع الإنحدار المستمر على المستويين الإقتصادي والإجتماعي.
في هذا السياق، تسأل الأوساط نفسها عن أسباب التمسّك الفعلي بالحريري، طالما أن وجوده على رأس الحكومة لم يمنع الولايات المتحدة الأميركيّة من فرض عقوبات على نواب من "حزب الله" أو إستهداف "مصرف الجمّال"، كما أنّه لم يمنع الإرتفاع المستمر في سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، ولم يساهم في معالجة أيّ من الأزمات العالقة، لا سيما أزمة النازحين السوريين، فهل المطلوب العودة إلى تسوية أثبتت فشلها على مدى السنوات الماضية؟، وتضيف: "حتى التهديد بالعقوبات الإقتصادية لا يجب أن يكون مانعاً، فالأزمة الحالية فرضت حصاراً غير معلن على اللبنانيين".
إنطلاقاً من ذلك، قد يكون من المفيد أن تبادر القوى التي تشكل الأكثرية النيابيّة، أيّ "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر"، إلى حسم خياراتها على المستوى الحكومي، والذهاب إلى تسمية رئيس حكومة مكلّف جديد يكون أفضل الممكن من بين الشخصيات التي تدور في فلكها، لأنّ المطلوب، اليوم قبل الغد، إرضاء المواطنين وطمأنتهم، بدل إنتظار موافقة أيّ شخصيّة سياسيّة لبنانيّة أو جهّة خارجيّة فاعلة على الساحة المحليّة.
عملياً، المواطنون العاديون ينتظرون الحلّ ولا شيء آخر، الحلّ الذي يساعد في الحدّ من الخسائر التي يتعرّضون لها بشكل يومي، خصوصاً على مستوى القيمة الشرائيّة لرواتبهم، التي وصلت إلى حد الـ40%، وبالتالي لم يعد يعنيهم من يكون رئيس الحكومة المقبلة، بل ما هي الخطوات التي سيقوم بها على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، وفي حال كانت الأكثريّة عاجزة عن القيام بهذا الأمر ما عليها إلا الإعتذار من المسؤوليّة الملقاة على عاتقها، سواء بالموافقة على شروط الحريري أو بالذهاب إلى خيارات أخرى، ربّما تكون الإنتخابات النيابيّة المبكرة احداها.
في المحصّلة، عامل الوقت لم يعد من مصلحة اللبنانيين الراغبين في الخروج من الأزمة الراهنة، وبالتالي رأفة بهم بات من الضروري حسم الخيارات بأسرع وقت ممكن، فلا يمكن الإستمرار في وضعهم ضمن ثلاّجة الإنتظار القاتل.