ما إن إنتهى العرض العسكري الذي أقامته قيادة الجيش في وزارة الدفاع بمناسبة عيد الإستقلال، حتى طلب رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أن يرافقه في سيارته. كان محور المشوار هو إستعراض الأسماء المحتملة لتأليف الحكومة العتيدة. أظهر الحريري جدية بعدم رغبته بتولي المهمة للأسباب المُعلنة ذاتها المتعلقة بنوعية الحكومة.
تعدّدت الأسماء، وكان الوزير بهيج طبّارة و سمير الخطيب من بينها.
اذا كان الأول معروف ومقبول من قبل كل القوى السياسية، فإن الإسم الثاني لامع في إدارة شركة إستشارات ناجحة تعمل في لبنان وعواصم عربية وإقليمية ودولية بنجاح. لم يُظهر اللواء إبراهيم إنحيازاً للخطيب الذي تربطه به علاقة نسب، كون نجل المدير العام للأمن العام متزوجاً من كريمة الخطيب. لكن إبراهيم تحمّس لإنجاح المهمة بعد سقوط ورقة طبّارة. لماذا إحترقت؟ وكيف؟
أوحى إستدعاء الحريري للخطيب أن وزير العدل الأسبق لم يعد في أولويات رئيس الحكومة المستقيل، رغم إندفاع القوى السياسية لتكليف طبّارة. فقدّم الأخير إعتذاره عن تولي المسؤولية، وإنسحب بصمت إلى حياته التقاعدية المُعتادة.
كان الحريري يطرح أربعة شروط لتسهيل مهمة التكليف الحكومي: اولاً، بقاء قائد الجيش العماد جوزاف عون في مركزه. ثانياً، بقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في موقعه. ثالثاً، التمديد لرئيس مجلس ادارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت. رابعاً، أن تكون وزارة المالية من حصة تيار "المستقبل" في الحكومة العتيدة.
تلك الشروط طرحها رئيس التيار "الأزرق" في كل مراحل التفاوض معه بشأن أي إسم مطروح لتولي رئاسة الحكومة. إطّلع الخطيب على تلك العناوين، وأبدى الإستعداد لتحمّل المسؤولية، وزار قصر بعبدا والتقى رئيس الجمهورية ميشال عون، ثم زار عين التينة وإلتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، في وقت كان تيار "المستقبل" يُصدر بياناً يُعلن فيه ألاّ أسماء يطرحها الحريري قبل الإستشارات النيابية، مما أوحى بأنه تخلٍّ عن دعم الخطيب، علماً أن رئيس الحكومة المستقيل كان أبلغ المطروح لتولي تكليف الحكومة أنه يضع فريق عمله في تصرفه. وهي العبارة ذاتها التي إستخدمها الحريري أمام الوزير السابق محمد الصفدي، وطبّارة، قبل أن يتم حرق أوراق الإثنين.
تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ"النشرة" أن "كلّ الخطوات التي مضى بها الشيخ سعد أوحت بأنه يريد نفسه رئيساً للحكومة، أو لا أحد"، وبالتالي هو يمرر الوقت ريثما يحصل أي تطور إقليمي-دولي يدفع الحلول اللبنانية الى الأمام، أو يستحصل لبنان دعماً خارجياً.
هذه المعادلة عزّزتها وقائع الساعات الماضية بعدما تبلّغ الخطيب أمر الموافقة على تسميته رئيساً للحكومة العتيدة، وهو ما سَمح له بالإطلالة على إحدى الشاشات التلفزيونية مساء الثلاثاء للحديث بصراحة عن إستعداده لتولي المهمة، ثم تنصل الحريري عملياً من الخطوة، قبل لقاء جمعهما مساء الأربعاء في بيت الوسط.
اذا كان رئيس الحكومة المستقيل حرق ورقة الخطيب بعد ورقتي طبّارة والصفدي، صار السؤال مشروعاً عمّن يكون التالي؟. يقول مطّلعون "إنّ الحريري لا زال يراهن على تسميته رئيساً للحكومة المقبلة"، وهو ما عبّر عنه أحد نواب كتلته أمام زميله في المجلس النيابي: لا رئيس للحكومة سوى الحريري". لأن خروجه من رئاسة الحكومة يعني إبعاده عن القرار السياسي في البلد، وتهميش دوره الى حد كلّي، في وقت يحتاج فيه الحريري الى تثبيت نفسه في المعادلة السياسية الجديدة".
يعتقد مطّلعون أن الحريري يترقب موقفاً دولياً يدعم إعادته الى ترؤس الحكومة، بموازاة دعم مالي من مؤتمر "سيدر" وغيره. لكن لا تجاوب حصل حتى الساعة مع بيت الوسط: السعودية تبدو غير متهمة لوضع "الشيخ سعد". كذلك لم تصدر أيّ إشارة خليجية بشأنه. بينما أعطى الفرنسيون الموافقة على المضي بمؤتمر "سيدر" اياً يكن رئيس الحكومة، أي بمعزل عن وجود الحريري. وقد علمت "النشرة" ان مستشار الحريري الوزير السابق غطاس خوري زار فرنسا بغاية تأمين دعم لرئيس الحكومة المستقيل، بينما كان مستشاره جورج شعبان يزور روسيا في الايام الماضية للإستحصال على دعم سياسي روسي له، وتأمين تغطية دولية-إقليمية لعودته الى رئاسة الحكومة.
ومن هنا حتى بتّ أمر الحكومة، سيبقى لبنان معلقاً بين أزمات معيشية-إقتصادية-سياسية خانقة، مترابطة الأضلاع، تزداد يوماً بعد يوم، في ظلّ تعنّت سلطويّ فاضح. فهل المطلوب إرباك اللبنانيين لتحقيق غايات غربيّة: سلاح المقاومة وترسيم الحدود الجنوبيّة وبالتالي تشريع سرقة إسرائيل للغاز في الحقول الحدودية؟ كل شيء وارد في بلد كلبنان تتحكّم فيه حسابات داخليّة وخارجيّة وتتقاذفه المصالح الدولية.