لم تستطع كل الأحداث التي عصفت بسوريا ان تصيب عملتها بشكل مباشر كما فعلت الأزمة الإقتصادية القائمة في لبنان. رغم كل التلاعب الذي مارسه "تجّار الأزمة" في سوريا، والأرقام المركّبة التي وضعتها احدى صفحات الأسهم، بقي مصرف سوريا المركزي يدير اللعبة بحنكة قلّ مثيلها.
مرّ على الأزمة السورية اكثر من ثماني سنوات، كانت تتوقع فيها عواصم دولية وخليجية أن ينهار الإقتصاد والليرة في سوريا بشكل دراماتيكي، لكن الإجراءات التي اعتمدتها دمشق وخصوصاً حاكمية المصرف المركزي في الأشهر الماضية جمّدت التلاعب المذكور، الى أن جاءت تدابير لبنان المالية التي اعتمدتها المصارف تصيب الليرة السورية التي إنخفضت قيمتها فتجاوز سعر صرف الدولار الى ٧٠٠ ليرة سورية. لم يكن بمقدور دمشق أن تحدّ من التراجع في وضع الليرة السورية، بعدما تجمّدت حركة إقتصادييها عبر البوابة اللبنانية التي اعتمدتها سوريا منذ ولادة أزمتها، فكان لبنان مصدراً اساسياً او معبراً للعملة الصعبة، لكن إنقلب المشهد بعد اعتماد تجّار لبنانيين كبار على سحب الدولار من السوق السورية الآن. عدا عن وجود مبالغ مالية ضخمة لتجّار سوريين في مصارف لبنانية، كانوا يستندون اليها في اعمالهم ضمن حركة مالية طبيعية.
لطالما كان التجّار السوريون يعتمدون على مصارف لبنان في تمويل المستوردات من الخارج، لكن القطاع المصرفي اللبناني حدّ من نشاطه، ومنع التحويل بالعملات الصعبة، ليقتصر فقط على الضروريات في القمح والمحروقات والدواء، مما اصاب التجّار المذكورين بشلل أعاق اعمالهم بشكل شبه كلّي.
كما ان أزمة لبنان زادت من الاعتماد على سوريا لسحب مستوردات استهلاكية منها، مما ادى الى رفع الحاجة اليها وبالتالي استيرادها الى سوريا بالعملة الصعبة لتمويلها عبر السوق السوري.
تعود القصة الى أعوام سابقة يوم عمد تجّار واقتصاديون سوريون الى نقل أموالهم لايداعها في لبنان، وتأمين مصالحهم عبر سحوبات وايداعات بحسب حاجة اعمالهم في السوق السورية، لكنهم باتوا عاجزين عن سحب العملة الصعبة من مصارف لبنان، فلجأوا الى سحب الدولار من السوق السورية لتأمين إستيراد بضائع من الخارج، مما أدى الى ارتفاع الطلب على العملة الصعبة فإرتفع سعرها تلقائياً أمام الدولار، لكن إجراءات مصرف سوريا المركزي حدّ من الإرتفاع الجنوني الذي يشهده لبنان في السوق السوداء، اذ ارتفع سعر الدولار ٥٠٠ ليرة لبنانية خلال اربعين يوماً، بينما بقي ارتفاع سعر الدولار في سوريا مقبولاً نسبة الى تطورات لبنان المالية.
هل يعني ذلك أن تراجع سعر الليرتين اللبنانية والسورية سيتواصل؟
يقول الخبراء الإقتصاديون اللبنانيون أن مجرد الإعلان عن خطوات سياسية بتكليف رئيس لتأليف حكومة لبنانية جديدة سيحدّ من الجنون الذي تشهده العملة الصعبة، وفي حال اتت إجراءات الحكومة اللبنانية سريعاً سيعود الانضباط ليتدرّج في اسعار الصرف، مما ينعكس إيجابا على وضع الليرة السورية. عدا عن ان الأصوات داخل سوريا بدأت ترتفع لتأمين أسواق موازية اخرى كالاردن مثلا.
صحيح ان سعر الصرف في دمشق لم يصل قبل ذلك الى هذا المستوى، رغم أنه لامس ٧٠٠ ليرة أمام الدولار في عام ٢٠١٦ عند تهديد واشنطن بضرب مواقع سورية، الا أنه عاد وتحسّن الى ٤٤٠ ليرة بعد تراجع الأميركيين عن الخطوة العسكرية. مما يعني أنّ الانخفاض قد يعود مجدداً في حال شهد لبنان خطوات حكومية ومالية، قد تطل بتأليف مجلس وزراء جديد يتبعه دعم مالي من مؤتمر "سيدر". ليس التحسّن مشروطاً فقط بساحة لبنان، بل يمكن الوصول الى حلول بديلة أخرى ذات بعد إقليمي او دولي، عبر الأردن والعراق أو عند الاستفادة من إيرادات منتوجات المناطق التي حررتها سوريا شمالا، وخصوصا جرّاء قطاعي الزراعة والنفط، او على الأقل تخفيف الاستيراد للمنتوجات التي تستطيع سوريا ان تكتفي ذاتيا بها بعد عودة تلم المناطق المشار اليها.