في خضم المواجهة القائمة على مستوى الملف الحكومي، يبدو أن الصراع أبعد من هويّة من يسكن السراي الحكومي في المرحلة المقبلة، أو شكل الحكومة التي يعترف جميع الأفرقاء بأن مهمّتها ستكون الأصعب في تاريخ لبنان، وهو ما يتظهر عملياً على هامش المفاوضات القائمة، بالإضافة إلى مسار الأحداث منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي.
في ذروة الإحتجاجات الشعبية، قرّر رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الإستقالة، وبالتالي الخروج من التسوية السياسية القائمة مع قوى الثامن من آذار، لا سيما "التيار الوطني الحر"، وترك الأخيرة تخوض المواجهة وحيدة، متحمّلة مسؤوليّة أزمة سببها الأساسي تراكمات السياسات الماليّة والإقتصاديّة لتيار "المستقبل"، منذ إتفاق الطائف حتى اليوم.
في الشارع، كان المستغرب التصويب، بشكل أساسي، على "التيار الوطني الحر" ورئيسه جبران باسيل، وكأنّ المطلوب تحميله وحده مسؤولية الأوضاع الراهنة، حيث كان وزير الخارجيّة والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال مستهدفاً أكثر من أيّ شخصية سياسيّة أخرى، في حين أن الشخصيات المعروفة بإرتكباتها المالية كانت تنظر للحراك الشعبي، وتدعو إلى الإستجابة لمطالبه.
في المشهد السياسي العام، يبرز مطلب الذهاب نحو تشكيل حكومة تكنوقراط من خارج القوى السياسية، لا تتردد قوى الثامن من آذار في التأكيد أن الهدف منه إخراج "حزب الله" من السلطة التنفيذيّة، وهو ما تسعى إليه الولايات المتحدة منذ الإنتخابات النيّابية الأخيرة، لكن هذا لا يلغي أنّ قوى الثامن من آذار، في ظلّ النظام البرلماني القائم، تملك القدرة، في حال تحقّق هذا المطلب، في تعطيل أيّ قرار لا ترضى عنه، أو حتى إسقاط الحكومة نفسها.
إنطلاقاً من ذلك، قد يكون من الضروري الذهاب إلى تفاصيل ما يطرح، إلى جانب حكومة التكنوقراط، أيّ المطالبة بأنْ تحصل هذه الحكومة، بعد تشكيلها، على صلاحيّات تشريعيّة إستثنائيّة، وبالتالي تعطيل دور المجلس النيابي، ما يعني الإنقلاب الرسمي على نتائج الإنتخابات النيّابية الأخيرة، التي على ما يبدو هي الهدف الأساسي من كل ما يحصل على مستوى المشاورات السياسية.
هذه المعادلة، تتأكد من خلال لائحة الشروط التي يضعها الفريق الآخر، لا سيّما الحريري، للموافقة على تسهيل مهمة تشكيل حكومة تكنوسياسية برئاسة شخصيّة أخرى، حيث المهمّة الأساس التي يراد أن تقوم بها هي التحضير لإنتخابات نيابيّة مبكرة، خلال 6 أو 9 أشهر، وبالتالي إنتاج مجلس نيّابي جديد، تكبر الرهانات على أن يفرز معادلة جديدة على المستوى السّياسي.
في هذا الإطار، هناك سيناريو لافت يتمّ التداول به في بعض الأوساط السّياسية، يقوم على أساس إعتراف الجميع بأن الحكومة المقبلة ستكون حكومة مواجهة التحدّيات الإقتصاديّة والإجتماعية الكبرى، وبالتالي ستتحمّل القوى المشاركة أو الداعمة لها مسؤوليّة النتائج المترتبة على ذلك أمام الرأي العام، ما يعني تداعيات سلبيّة في حال الذهاب إلى إنتخابات نيابيّة مبكرة، يستطيع من خلالها الفريق الآخر، أي الحريري وحلفائه، خوضها على أساس أنها سعت إلى الحلّ، إلا أنّ قوى الثامن من آذار لم تتعاون معها ورفضت خيار حكومة التكنوقراط.
في تلك الإنتخابات، المعركة الأساس ستكون على المقاعد النيّابية المسيحيّة والسنّية، نظراً إلى أن الثنائي الشيعي، أيّ "حزب الله" و"حركة أمل"، قادر على إعادة تكرار نتائج الإنتخابات النّيابية الأخيرة، وهي قد تذهب إلى اللوائح "المستقلّة" بشكل أساسي، أيّ أن قلب المعادلة ليس من الضروري أن يكون عبر "تيار المستقبل" أو "الحزب التقدّمي الإشتراكي" أو حزب "القوّات اللبنانية"، بل من الممكن أن يكون عبر "المستقلين" الّذين يدورون في الفلك الأميركي.
في المحصّلة، كل هذه المؤشّرات تقود إلى معادلة واضحة، عنوانها الأساسي أنّ البلاد أمام أزمة مفتوحة على مختلف السيناريوهات، نتيجة الكباش السياسي الذي يتخطّى الحدود اللبنانيّة.