لم تعد أغلب القوى السياسية اللبنانية، تتعامل مع الأزمة الراهنة بعيداً عن المعطيات القائمة على المستويين الإقليمي والدولي، لا سيّما في ظلّ الربط بين ما يحصل في بيروت وما يحصل في بغداد، خصوصاً في المواقف المكرّرة من قبل وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، الذي أعلن مؤخراً أن المتظاهرين في لبنان يريدون خروج "حزب الله" وإيران من بلادهم، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات على كل المخارج التي تطرح في الأوساط المحلية.
في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى أن الموقف الأميركي الرسمي الأول، من التحركات في الشارع، جاء على لسان بومبيو في 30 تشرين الأول، أي بعد 13 يوماً من بدء التظاهرات الشعبيّة، في إطار العموميّات، حيث أشار إلى أن "الشعب اللبناني يريد حكومة كفوءة وفعالة إضافة الى اصلاح اقتصادي ووضع حد للفساد المستشري".
بين الموقفين الأول والأخير، هناك 3 مواقف أميركية من الأزمة اللبنانيّة، عبّر عنها أيضاً وزير الخارجية الأميركية الذي على ما يبدو يتولّى الإعلان عن المواقف الرسميّة، عنوانها الأساسي الربط مع أزمة العراق ورغبة الشعبين بالتخلص من النفوذ الإيراني، في حين كان "حزب الله" يؤكّد عبر بعض مسؤوليه أنّ المعلومات عن فيتوات خارجية على مشاركته في الحكومة غير صحيحة، بالتزامن مع الإصرار على أنّ المواجهة هي مع الولايات المتحدة، التي تريد أن تأخذ بالحرب الإقتصاديّة ما لم تحصل عليه في الحرب العسكريّة.
حول هذا الموضوع، لا تتردد مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، في التأكيد أن الموقف الأميركي الواضح في هذا الخصوص لا يحرج "حزب الله" بأيّ شكل من الأشكال، بل على العكس من ذلك يؤكد وجهة نظره مما يحصل على أرض الواقع، لا سيّما على المستوى السياسي، في حين لا يزال هو يشدد على أن مطالب الحراك الشعبي الإصلاحيّة هي في الأصل مطالبه، لا بل يذهب إلى التأكيد بأن "أهل الحراك الحقيقيين هم بأغلبهم من جمهور المقاومة".
وتشير هذه المصادر إلى أن الحزب، في الخطاب السياسي، يستفيد من هذا الموقف، في إطار التوجه إلى جمهوره بشكل خاص والرأي العام اللبناني بشكل عام، لشرح أصل المشكلة القائمة على المستوى الحكومي تحديداً، وبالتالي الدعوة إلى الصبر في كيفية التعامل مع الأزمة، في حين أن ما يدلي به بومبيو يحرج القوى والمجموعات الفاعلة في الحراك، لا سيما تلك المعروفة بمواقفها من السياسات الأميركيّة في الشرق الأوسط، نظراً إلى أنه يضعها في خانة "المتهم" المضطر للدفاع عن نفسه، الأمر الذي يستحقّ التوقف عنده ملياً.
من وجهة نظر المصادر نفسها، لا يمكن القول أن وزير الخارجية الأميركية ليس لديه معطيات كافية حول حقيقة ما يجري فعلياً، خصوصاً أن بلاده من القوى المؤثّرة والمقرّرة على المستوى المحلي، وبالتالي هي أكثر من يتعامل مع الأزمة بطريقة براغماتيّة، وترى أن بومبيو يريد أن يستفيد من التحركات الشعبيّة كورقة في وجه المحور المقابل، الذي يمثله "حزب الله" على الساحة اللبنانية، للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، مع إدراكها في المقابل أن ما تطرحه، لناحية التخلص من الحزب أو النفوذ الإيراني، غير قابل للتطبيق، وتشير إلى أن هذا ما يتمظهر عبر الإصرار على الربط بين ما يجري في بيروت وبغداد وطهران.
في المحصّلة، ترى المصادر السّياسية المطّلعة أنّ الموقف الأميركي يندرج في إطار لعبة "عض الأصابع"، التي لا تزال سائدة في الوقت الراهن قبل الوصول إلى تفاهم جديد حول المعادلة التي ستحكم البلاد، نظراً إلى أن التسوية هي المخرج النهائي، وتضيف: "كل فريق ينتظر الخطوة التي قد يبادر إليها الفريق الآخر للبناء عليها، ويتحاشى في الوقت نفسه أن يكون هو المبادر، والأميركي ربما يريد، من خلال هكذا موقف، أن يكون الحزب هو المبادر إلى الخطوة العمليّة الأولى".