لم تمضِ ساعات على الأجواء التفاؤلية بقرب موعد الإتفاق على تشكيل الحكومة المقبلة، في ظل إرتفاع أسهم مدير عام شركة "خطيب وعلمي" المهندس سمير الخطيب، حتى عادت الأمور إلى المربع الأول، الأمر الذي أكد عليه البيان الصادر عن رؤساء الحكومة السابقين: فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي، تمام سلام، في حين بات معلوماً أن نجاح أيّ مرشح يتوقّف على حصوله على دعم كل من: رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، رؤساء الحكومة السابقين، دار الفتوى، بالإضافة إلى الكتل النيابيّة الأخرى التي تشكل الأكثرية النيابية.
مساء الثلاثاء، كانت كل الأجواء توحي بأن الإتفاق على تكليف الخطيب بات منجزاً، وأيضاً على شكل الحكومة التي من المفترض أن تكونتكنو-سياسية، بالإضافة إلى عدد الوزراء 24، وهو ما عزّزه إعلان الحريري دعمه الخطيب، لكن في التفاصيل كان "الشيطان" حاضراً، من أجل نسف كل ما يتم الحديث عنه من الناحية العملية، وهو ما ألمح إليه رئيس حكومة تصريف الأعمال، من خلال إشارته إلى أن الخاتمة السعيدة لا تزال تحتاج إلى الإتفاق على بعض التفاصيل.
في هذا السياق، تشير مصادر مطّلعة، عبر "النشرة"، إلى أن رئيس الحكومة المستقيل فضّل هذه المرة ألاّ يكون هو مصدر عرقلة التوافق على الخطيب بشكل مباشر، حيث سارعت بعض المجموعات في الحراك الشعبي إلى تولّي المهمّة، عبر الدعوة إلى التحرّك أمام منزله، وبالتالي وضع العراقيل، خصوصاً أنّ الجميع بات يدرك أن أي مرشح لا يحظى برضا الشارع لا يمكن أن يستمرّ، لكنها تلفت إلى أن هذه الخطوة أيضاً لم تكن بريئة، بدليل أن عمليّة إحراق الاسم جاءت على أساس أنه يضحي بصلاحيات الموقّع السني الأولى في الجمهورية، وبالتالي وضعه في صدام مع بيئته.
على هذا الصعيد، تشدّد المصادر نفسها على أن بعض ما طرح في وسائل الإعلام لم يكن دقيقاً، لا بل تذهب إلى التأكيد أنه يأتي في سياق العرقلة أيضاً، من الحديث عن عدد الوزراء الذي لم يكن قد حسم، وصولاً إلى المعلومات عن كيفية توزيع الحصص، التي أوحت بأنّ إدارة عمليّة التأليف تتمّ وفق العقليّة السابقة، وصولاً إلى التأكيدات بأنّ بعض الوزراء في حكومة تصريف الأعمال عائدون من جديد، مثل علي حسن خليل وسليم جريصاتي ومحمد فنيش ويوسف فنيانوس، الأمر الذي تشدّد على أنه لم يكن قد طرح على بساط البحث، خصوصاً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يدل بأي موقف في هذا الإطار.
في الإطار نفسه، تشير هذه المصادر إلى أن الذهاب بعيداً في إنضاج الطبخة الحكومية كان يتوقف على خطوات من المفترض أن يقدم عليها الحريري، لناحية الإعلان الرسمي الواضح عن دعم الخطيب والإلتزام بتسميته من قبل كتلة "المستقبل" بالإستشارات النيابية الملزمة، وصولاً إلى منح الحكومة التي يشارك فيها الثقة، إلا أن رئيس حكومة تصريف الأعمال لم يقدم على أيّ خطوة، باستثناء الحديث عن دعم الخطيب في إطار دردشة اعلاميّة، ولاحقاً الإعلان عن المشاركة بإختصاصيين لا سياسيين.
من وجهة نظر المصادر المطّلعة، هناك مؤشرات أخرى أوحت أيضاً بأن التسوية لم تكتمل بعد، أبرزها زيارة رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط إلى عين التينة وبيت الوسط، حيث كانت المعلومات تتحدث عن سعي "البيك" إلى إعادة تعويم "الشيخ" من جديد، متماهياً مع إعلان الحريري في الرغبة بترشيح إختصاصيين لا سياسيين، في حين أن المشاركة الحقيقية من المفترض أن تكون عبر شخصية سياسية، بينما يبقى القسم الأكبر من الوزراء من الإختصاصيين.
بالتزامن، لا تنكر المصادر نفسها وجود عراقيل إضافية، تتمثل بمطالب القوى السياسية أن تتولى مسألة تسمية الوزراء الإختصاصيين، بالإضافة إلى عدم التوافق على مسألة تمثيل الحراك من حيث الكيفية، نظراً إلى أن أغلب المجموعات الأساسية وضعت خطاً أحمرَ، يصل إلى حدّ التخوين، أمام أي شخصيّة قد توافق على المشاركة في الحكومة، ما يؤكد أنّالإتفاق الحقيقي لم يكتمل بعد.
في المحصّلة، تؤكد هذه المصادر حرص كل من "الثنائي والشيعي" و"التيار الوطني الحر" على ضخ أجواء إيجابية في طريق الخطيب إلى السراي الحكومي، لكنها في المقابل تشير إلى أن الأجواء الأخرى توحي بالعكس، وهو ما سيتضح خلال الساعات القليلة المقبلة بشكل حاسم.