مع إستمرار العدّ العكسي ليوم الإثنين المُقبل، الموعد الجديد الذي جرى تحديده للإستشارات النيابيّة المُلزمة، تساءل الكثيرون عن "السيناريوهات" المُحتملة، وما إذا كُنّا قد عُدنا إلى نقطة الصفر، أي إلى مرحلة ما بعد قيام رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري بتقديم إستقالة حُكومته في التاسع والعشرين من تشرين الأوّل الماضي! فما هي المَعلومات المُتوفّرة و"السيناريوهات" المُحتملة؟.
لا شكّ أنّ موقف "دار الفتوى" المُتقدّم والقاضي بسحب الغطاء عن المُهندس سمير الخطيب، لصالح إعادة تعويم إسم رئيس الحُكومة المُستقيل، مَدعومًا بموقف مُماثل من جانب رؤساء الحكومة السابقين وغيرهم من الفاعليّات السُنيّة، أعاد خلط الأوراق على مُستوى ملفّ التكليف والتشكيل، وسدّد ضربة قاسية لمُحاولة إسقاط حُكومة مُكتملة المُواصفات، من خارج الإجراءات الدُستوريّة، علمًا أنّ موقف المفتي عبد اللطيف دريان لم يسلم بدوره من الإنتقادات الحادة، لجهة تصنيفه بأنّه تعدّ على سُلطات النوّاب وصلاحيّاتهم، ومُحاولة لفرض "فيتوات" طائفيّة ومذهبيّة على حساب العمل السياسي الحُرّ والديمقراطي، إلخ. وبالتالي، وعلى أرض الواقع، لم يعد من أهميّة لبُنود الدُستور، وحتى للثغرات المَوجودة فيه، طالما أنّ عمليّة تشكيل الحُكومة تتمّ خارج هذا السياق، من الألف إلى الياء، ومن قبل مُختلف الأفرقاء المَعنيّين!.
وطالما أنّ الأمر كذلك، الخشية كبيرة من ألاّ يكون الوقت الفاصل عن موعد الإستشارات المُقبلة، كافيًا لتذليل العقبات التي كانت قد برزت على مدى أسابيع من التفاوض، والذي كان قد قاده بشكل أساسي كلّ من المُعاون السياسي لرئيس مجلس النوّاب علي حسن خليل، والمُعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل. وبالتالي، طالما أنّ إحتمال تكليف الحريري مُجدّدًا بتشكيل الحُكومة المُقبلة، بعد الإتفاق المُسبق على خُطوطها العريضة، مُستبعد جدًا، بسبب بقاء المواقف المُتباعدة على حالها، فإنّ الإحتمالات الخاصة بيوم الإثنين 16 كانون الثاني الحالي غير مُشجّعة. وليس بسرّ أنّ رئيس "تيار المُستقبل" مُصرّ على حُكومة غير سياسيّة، بعكس باقي الأطراف المُصرّين من جهّتهم على حكومة تكنو–سياسيّة مع أغلبيّة من وزراء التكنوقراط الذين تُسمّيهم الأحزاب، علمًا أنّ التباينات والخلافات تشمل "فيتوات" على بعض الأسماء، وتمسّكًا ببعض الحقائب، وغيرها من المسائل.
وفي حال إستمرار هذه المُعطيات، سنكون يوم الإثنين المُقبل، أمام واحد من أربعة خيارات:
الأوّل: إرجاء موعد الإستشارات مُجدّدًا، ومن المُرجّح أن يتمّ الإرجاء إلى ما بعد الأعياد، أي إلى مطلع العام المُقبل، إفساحًا في المجال أمام المزيد من الوقت للتفاوض، مع ما لهذا الخيار من إرتدادات سلبيّة جسيمة إضافيّة على الأوضاع الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة المُتردّية جدًا!.
الثاني: تكليف رئيس "تيّار المُستقبل" من قبل أغلبيّة نيابيّة عدديّة غير كبيرة، في إجراء شكلي لإمتصاص الإعتراضات على المُماطلة القائمة في هذا السياق، لكن من دون أيّ توافق مُسبق على التفاصيل العالقة في ما خصّ التركيبة الحُكوميّة المُنتظرة، مع ما لهذا الخيار من مخاطر بأن تطول فترة التكليف إلى ما لا نهاية، في ظلّ الإصرار-أقلّه حتى الساعة، على عدم تقديم أيّ تنازلات مُتبادلة، وفي ظلّ الضغُوط القائمة لإعادة تعويم حُكومة تصريف الأعمال.
الثالث: إجراء الإستشارات المُلزمة، في ظلّ مُقاطعة بعض الكتل والنوّاب، وعدم تسمية قوى أخرى لأي مُرشّح، وتوزّع باقي الأصوات النيابيّة على أكثر من مُرشّح، وبالتالي من دون التوصّل إلى تسمية أيّ شخصيّة لتشكيل الحُكومة. لكنّ من شأن هذا "السيناريو" الذي يُظهر تقيّدًا بالدُستور شكلاً، أن يُسلّط الضوء أكثر على عُمق الأزمة مَضمونًا، مع ما يُمكن أن يتركه هذا الأمر من أضرار جسيمة على كامل الوضع الداخلي، ناهيك عن التسبّب بتحريك الشارع مُجدّدًا إعتراضًا على عدم الإستجابة لمطالبه.
الرابع: قيام الأغلبيّة النيابيّة العدديّة التي تضمّ تحالف "التيّار الوطني الحُرّ" و"الثنائي الشيعي" إضافة إلى بعض القوى الحليفة، بتكليف شخصيّة سُنّية غير الحريري لتشكيل الحُكومة، تحضيرًا للذهاب نحو تأليف حُكومة مُواجهة. لكنّ تطبيق هذا الخيار يزداد صُعوبة مع مُرور الوقت، بسبب التطوّرات والمواقف الداخليّة والخارجيّة، بحيث أنّه لم يعد مطروحًا حتى من باب الضغط والمُناورة. والعودة إليه–إن حصلت، لن تكون على الإطلاق يوم الإثنين المُقبل، بل رُبّما في المُستقبل البعيد، بعد إستنفاذ كل الخيارات الأخرى.
في الختام، ما لم يتنازل الحريري عن التمسّك بحكومة سياسيّة، ويُوافق على حُكومة تضمّ عددًا قليلاً من السياسيّين إلى جانب وزراء التكنوقراط، في مُقابل تنازل كل من "التيّار الوطني الحُرّ" و"الثنائي الشيعي" عن التمسّك ببعض الوُجوه الوزاريّة المعروفة، وفي طليعتها رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" الوزير جبران باسيل، وعن بعض الأحجام والحقائب، لا خُروج من هذا النفق المُظلم في المُستقبل القريب!.