قبل أيام قليلة، كان الحديث عن أن القسم الأكبر مما يحصل على الساحة اللبنانية يندرج في سياق مؤامرة أميركية تريد إخراج "حزب الله" من السلطة التنفيذية، بدليل ما صدر من مواقف عن وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، أن رغبة اللبنانيين هي في إخراج الحزب من بلادهم، لكن اليوم هناك من يريد أن يحصر المشكلة الحكومية بكل من رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري.
وفي حين تبدو عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة المقبلة شبه محسومة، لا سيما بعد الغطاء الذي تأمن له من دار الفتوى، بالتزامن مع حرص القوى التي تشكل الأكثرية النيابية على ذلك، باتت البوصلة تقتصر على معادلة أن المطلوب أن يخرج باسيل من الحكومة، نظراً إلى أن الحريري لم يعد قادراً على تحمل وجوده فيها.
في هذا السياق، من الضروري طرح جملة من التساؤلات حول الأسباب التي كانت تمنع الحريري من الإعلان عن ذلك سابقاً، لا سيما أنه شريك أساسي لباسيل بالتسوية الرئاسيّة، مع ما تتضمنه من مندرجات أخرى كانت تظهر تباعاً في مقرارات مجلس الوزراء، وبالتالي البحث يجب أن يكون في مكان آخر يتعلق بما يمثل باسيل على المستوى السياسي، بغض النظر عن الموقف من أسلوبه أو طريقة عمله، التي يجتمع حول الإمتعاض منها الكثير من الأفرقاء على ضفتي قوى الثامن والرابع عشر من آذار.
في الأيام الماضية، طرحت معادلة في سياق المشاورات الحكوميّة، تتعلق بأنّ الحريري وباسيل يعودان معاً إلى مجلس الوزراء أو يخرجان معاً منه، وهو ما دفع "التيار الوطني الحر" إلى تقديم جملة من التسهيلات للمرشح السابق لرئاسة الحكومة سمير الخطيب، على قاعدة أن باسيل لا يجب أن يحمل وحده مسؤولية الأزمة الراهنة، لا بل أبعد من ذلك هل من المنطقي تحميل التيار مسؤولية تفاقم الأزمة المالية والإقتصادية بينما يكون رئيس تيار "المستقبل" هو "المخلّص" أو "المنقذ"؟.
بناء على ما تقدم، يمكن الجزم بأن إستهداف باسيل اليوم، بما يمثل من حيثية شعبية على الساحة المسيحية تحديداً، يأتي في سياق إستهداف "حزب الله" أو البيئة المتحالفة معه على الساحة اللبنانية، أي أنه في حال لم يكن من الممكن إخراج الحزب من الحكومة لا مانع في أن يكون ذلك بالضغط على القوى المتحالفة معه، ليكون ذلك بمثابة رسالة إلى جميع الحلفاء، وهو ما كان يلمّح إليه سابقاً بالحديث عن ضم باسيل أو قيادات من "التيار الوطني الحر" إلى لائحة العقوبات الأميركية.
في الإطار نفسه، لا يمكن إبعاد المواقف التي عبّر عنها باسيل، في ذكرى 13 تشرين الأول، بالإضافة إلى تلك التي عبّر عنها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن سياق الإستهداف الذي يتعرض له التيار، لا سيما بعد أن كان الأول حاسماً في الذهاب إلى سوريا لمعالجة الملفات العالقة بين البلدين، بينما لمّح الثاني إلى إمكانية القيام بهذه الخطوة، الأمر الذي يجب أن تُرسم حوله الكثير من علامات الإستفهام.
ما تقدم، يتضح أكثر عندما يوضع في سياق أوسع يشمل ما حصل أمام منزل رئيس تيار "الكرامة" النائب فيصل كرامي في طرابلس، بعد المواقف التي عبّر عنها رفضاً لما حصل على مستوى مشاورات تأليف الحكومة، بعد إعلان دار الفتوى، على لسان الخطيب، بأن الطائفة السنية مجمعة على إعادة ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة، بما يمثله في عاصمة الشمال من قوى شعبيّة متحالفة مع "حزب الله".
في المحصّلة، الأيام الفاصلة عن موعد الإستشارات النيابية الملزمة ستكون كفيلة في توضيح المشهد الحكومي أكثر، لكن الأكيد أن خروج من رئيس "التيار الوطني الحر" من حكومة يرأسها الحريري لن يكون أمراً سهلاً إن لم يكن مستحيلاً.