يوماً بعد يوم، تزيدنا التطورات والاوضاع قناعة بأن حكومة تصريف الاعمال هي التي سيكتب لها العمر المديد، ان باعادة تكليف رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري ام لا. المركب الذي يبحر فيه الجميع في بحر الفيضان الاقتصادي والمالي العارم والذي يهدّد بإغراقه، اصبح اكثر خطورة، ولم يعد ينفع الاعتماد على ضمائر المسؤولين والحسّ الوطني للزعماء والسياسيين، خصوصاً بعد ما شهدناه على مدى الاسابيع القليلة الماضية.
من المتوقّع ان تتحول حكومة تصريف الاعمال، من مجرد تسيير ما يجب القيام به لعدم الوصول الى الافلاس التام، الى ادارة الفوضى التي بدأت تطلّ برأسها عبر ممارسات غير محمودة في اكثر من منطقة لبنانيّة. وبعد ان تمّ وضع حدّ لسياسة قطع الطرقات بفعل تدخل الجيش والاجهزة الامنيّة، شاهدنا تطورات متصاعدة تفيد عن توجّه الى نشر سياسة الفوضى والاعتداء على الاملاك العامّة والخاصّة، ولو بشكل محدود وخجول. من المهمّ تقدير الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكريّة ومن يعاونها في ضبط الامن، للحدّ من هذا التوجه الذي غالباً ما يكون المؤشر الاخير على الدخول في المجهول والمحظور، ولكن السؤال الذي اصبح ملحاً هو: هل سندخل فعلاً الى حكومة تصريف اعمال الفوضى والشغب؟ ومن المستفيد في هذه الحالة؟.
ادارة الفوضى بشكل رسمي لا تطمئن لانها لعبة بالغة الخطورة، وبالاخص لانها تعتمد على المشاعر ونبض الشارع الذي يصبح من الصعب جداً ضبطه إذا ما خرج عن عقاله، وبالتالي ستزداد الامور صعوبة على اللبنانيين للتأقلم مع الوضع المستجدّ بعد ان تعلّموا بسرعة قياسيّة التماشي مع ما فُرض عليهم من شروط وظروف لم يعتادوا عليها سابقاً، وبالتحديد ما يتعلق منها بالشقّ المالي. اما المستفيد من هذا الوضع، في حال الوصول اليه، فهم المخططون من الخارج والمنفّذون من الداخل، وفي مقدّمهم السياسيون الذين اثبتوا بما لا يقبل الشك انهّم يستخفون باللبنانيين الى اقصى الدرجات، الى حدّ انهم مستعدّون للرهان على استمرار الشعب في السير خلفهم، حتّى ولو عنى ذلك انهاء اسلوب الحياة الذي اعتاد عليه اللبناني او الذي يطمح اليه. يراهن السياسيون (ويبدو حتى الآن انهم ربحوا رهانهم اضعافاً مضاعفة)، على انّهم تحولوا الى عامل "لا يمكن الاستغناء عنه" بالنسبة الى المواطنين، ويمكن القول ان اللبنانيين "أدمنوا" على هؤلاء المسؤولين الذين باتوا بالفعل "الداء والدواء" كما تراهم شريحة كبيرة من المواطنين. المضحك المبكي في هذه المسرحية الكئيبة، هي ان الجميع ينادي بمكافحة الفساد والخروج من ظلّ الهدر والفساد، واللجوء الى الدولة المدنية التي تعطي الامل للناس، الا ان احداً لا يحرّك ساكناً، وتحديداً الذين يتعاطون في السياسة والشأن العام، بحيث يكتفون بالتحذير والتنبيه من أنّ الوقت لم يعد متاحاً، ويجب التصرّف اليوم قبل الغد اذا ما اردنا انقاذ البلد. هذا الموقف الموحّد لهم، دليل قاطع على انّهم لا يريدون انهاء الازمة والخلاص. فحين ينادي احد بضرورة التقيّد بتعليمات محدّدة من شأن تنفيذها انقاذ لبنان، ولا يطبّق ما ينادي به، فهذا يعني حكماً انه لا يرغب في انقاذ البلد، وان من مصلحته ابقاء الوضع على ما هو عليه، بغض النظر عن حجم الاضرار التي ستلحق بالكثيرين جراء هذا التصرّف.
لا شكّ اننا سنشهد نهاية للازمة الحاليّة، ولكن عندما يحين الوقت، كيف ستكون عليه الاوضاع، وماذا سيكون الثمن مقابل الحلّ، وكيف سيتمّ التعاطي مع لبنان بعدها؟ قد تكون النظرة تشاؤميّة، ولكن الواقع يفرض ان نرى الامور كما هي دون تجميل او تمويه، ولكن مقياس التطورات والقراءات السياسيّة لا يوحي بأيّ هزّة على مستوى الحل، على أمل ان تكون كل القراءات خاطئة وفاشلة اذا كان الثمن انقاذ لبنان.