لا جدال في رفض فرضية العامل الإسرائيلي، بوصفه محركاً من المحركات الابتدائية للاحتجاجات الشعبية في لبنان. لكن هذه الاحتجاجات، وبصرف النظر عن بدئها ومسارها وهويتها وأهدافها، إلا أنها من ناحية إسرائيل متغيرٌ استجدّ على الساحة، ويفرض نفسه على طاولة البحث والتقدير في تل أبيب، بكل ما يرتبط بحربها ضد المقاومة: إنْ كان الحراك فرصة مساعدة في مواجهة المقاومة كي تبني عليه ما يلي من أفعالها، أو تهديداً يتطلب منها تبديده وتحويله إلى فرصة.
بعد وصف رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الاحتجاجات في لبنان (والعراق) بأنها «هزة أرضية» و»أرض خصبة» لإضعاف أعداء إسرائيل، تطرق أمس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي إيزنكوت، إلى ما يتجاوز التوصيف، ليتحدث عن أفعال إسرائيلية تعمل على استغلال الوضع الناشئ في لبنان، لتحقيق المصالح الإسرائيلية.
في كلمة ألقاها في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، لفت إيزنكوت، إلى إمكان أن يطرأ تغيير على المكانة الاستراتيجية للبنان، إذ قال: «المواطنون اللبنانيون يخرجون إلى الشوارع ويواجهون عناصر حزب الله. وهذه فرصة للغرب لإعادة لبنان إلى اللبنانيين وإخراجه من سيطرة فيلق القدس وحزب الله». وأضاف: «لدينا الآن حقائق جديدة في لبنان، وأيضاً واقع اقتصادي واعد للشعب اللبناني، وهنا تكمن فرصة غير مسبوقة تأتي من جهة إسرائيل كي تساهم في تشكيل هذا الواقع عن طريق اتفاقات الغاز واتفاقيات أخرى مع الجانب اللبناني، ما يساعد في استغلال هذه اللحظة التاريخية النادرة، وإبعاد لبنان عن حزب الله».
في توصيف مساعي حزب الله لتعاظم قدرته العسكرية والقتالية، قال إيزنكوت إنه يخوض مسارين اثنين: مشروع ضخم لأسلوب عمل يهدف إلى تحقيق إنجازات أكبر من إنجازات الماضي، وذلك عبر تأسيس قدرة هجومية لقتال إسرائيل تحت الأرض وخرق أراضيها بالآلاف من المقاتلين، أما المسار الثاني فيتعلق بالقدرة الصاروخية المكونة من أكثر من 130 ألف صاروخ، ستتسبب بأضرار للجبهة الداخلية في إسرائيل.
إلى ذلك، حذر المفوض السابق لشكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي اللواء يسحاق بريك، من أن المؤسسة العسكرية في إسرائيل غير جاهزة لخوض حرب، لافتاً إلى أن الخطر من هذه الناحية «يحمل معاني الخطر الوجودي على إسرائيل: يبني الايرانيون في السنوات الأخيرة مظلة صواريخ مؤلفة من 250 ألفاً من مختلف الأنواع والأحجام، حول دولة إسرائيل، ما يعني قدرة إطلاق بين 1500و2000 صاروخ يومياً، من بينهما صواريخ كبيرة الحمولة (من 500 إلى 600 كيلوغرام)، كلها ستسقط على المناطق السكنية والبنى التحتية الاستراتيجية، إضافة إلى المواقع والقواعد العسكرية».