فشِل النائب هادي حبيش في إقناع مدّعي عام التمييز غسان عويدات كَسْرَ إشارة القاضية غادة عون بتوقيف رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلّوم، فاشتعلَ غضباً ليتوجّه إلى عدلية بعبدا. هناك هدّد نائب المستقبل وأرعد. شتَمَ القاضية وتهجّم عليها متهماً إياها بالفساد ثم حاول اقتحام مكتبها استنكاراً لتوقيف قريبته. يبقى على مجلس النواب ورئيس كتلة المستقبل سعد الحريري تأديب هذا النائب البلطجي
وكأن لا حراك شعبياً ولا مطالبين في الشارع، منذ نحو شهرين، بدولة خالية من الفساد يستحيل أن تستقيم من دون قضاء عادل وشجاع يأخذ على يد المفسد مهما علا كعبه. المحامي هادي حبيش، النائب في مجلس النواب عن كتلة «المستقبل» صاحبة شعار «العبور إلى الدولة»، «مرمط» الدولة والقضاء ومسح بهما الأرض. ببلطجة قلّ نظيرها، ولم يقدم عليها حتى يوم كان مدلّل ضباط الاستخبارات السورية قبل عام 2005، اقتحم النائب - المحامي مع مرافقين، أمس، مكتب المدعي العام لجبل لبنان القاضية غادة عون، مهدّداً وشاتماً بعدما أشارت إلى توقيف قريبته رئيسة هيئة إدارة السير (النافعة) هدى سلّوم بموجب قانون الإثراء غير المشروع. بدا واضحاً من حالة الهياج التي اعترت تصرفات حبيش أن توقيف سلوم أصاب منه مقتلاً لجهة احتمال أن يقود توقيف الأخيرة إلى تورّطه في ملفات قيد التحقيق.
ولعل الخطأ الكبير الذي ارتكبته عون أمس أنها لم تقرر توقيف حبيش ولم تشر إلى العناصر الأمنية بوضع الأصفاد في يديه لارتكابه جرماً مشهوداً بالتهجّم على قاض وشتمه. فبعدما سمحت القاضية للنائب الذي انتابته ثورة من الجنون بدخول مكتبها، فوجئت به يقترب منها صارخاً ويضرب الطاولة بيديه مهدّداً. وعندما طلبت منه الخروج وعدم التدخّل في ما لا يعنيه جُنّ جنونه، فهدّد وتوعّد بصفته نائباً ومحامياً بـ«جرجرتها» إلى التحقيق لدى التفتيش القضائي، واتّهمها بالفساد والتشبيح وبإدارة «كرخانة»، من دون أن يتدخّل أحد لمنعه ومن رافقوه من التعرض للقاضية في مكتبها!
حمية «نائب الأمة» هذا لم تثر انتصاراً لقضية اجتماعية ولا طلباً لإصلاحٍ، وإنما لدوافع محض شخصية. لكن ذلك لم يحل دون تبجحه، أمام كاميرا «الناشط» في قطع الطرقات ربيع الزين، بالحديث عن الإصلاح ومكافحة الفساد. علماً أن في أرشيف النائب العكاري ملفات كثيرة يستحق أن يُساءل عليها، بدءاً من قطع 4500 شجرة لشقّ طريق فرعية إلى قصره في القبيات على نفقة الدولة بكلفة نحو مليون دولار، مروراً بـ«التوسط» لدى وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق للترخيص لمقالع وكسارات، وصولاً إلى المشاركة في صفقات الميكانيك والـparkmeter ولوحات السيارات والترخيص لسماسرة في النافعة التي ترأسها سلّوم.
إلا أنّ أكثر ما يثير الاستغراب أنّ وقاحة حبيش غير المسبوقة، لم تستفزّ مجلس النوّاب ولا رئيس كتلته سعد الحريري لاستنكار التصرف الصبياني لعضو كتلته النيابية.
وكانت سلّوم مثلت أمام عون أمس للاستماع إليها ومساءلتها بموجب إخبارٍ تقدّم به المحامي وديع عقل بشأن رشى وإثراء غير مشروع. وتؤكد مصادر قضائية إلى «الأخبار» أنّ هناك ملفات تحقيق مفتوحة لدى كل من فرع المعلومات وأمن الدولة تتعلّق بدفع وقبض رشى وغضّ نظر عن موظفين فاسدين. استمعت عون إلى إفادة سلّوم بعد نيلها الإذن باستدعائها كمستمعٍ إليها. غير أنّ قناعة تولّدت لدى القاضية بشبهة تورّطها، فادّعت عليها وطلبت توقيفها في نظارة قصر العدل. وعلمت «الأخبار» من مصادر مقرّبة من القاضية عون أنّ الأخيرة لمست معطيات تستوجب توقيف سلوم، وتتعلّق بارتكابات ورشاوى وغضّ نظر عن مخالفات. وكشفت أن تسعة موظفين آخرين يخضعون للتحقيق في الملف نفسه، وأن هناك توجّهاً لتوقيف المتورطين منهم.
تأديب النائب البلطجي برسم الحريري ومجلس النوّاب
مرجع قضائي أوضح إلى «الأخبار» أن «غادة عون مدّع عام، ولا يمثل أمامها مدعى عليه، إنما مستمعٌ إليه. وهذه الصفة التي حضرت بها سلّوم». وأضاف: «المستمع إليه، قد يكون شاهداً أو مرتكباً، وتبعاً لمجريات التحقيق، يُدّعى عليه إذا ما اقتنع المدّعي العام في تورطه». ولكن، ماذا عن الإذن بالملاحقة مع اتهام القاضية عون بمخالفة القانون بتوقيفها موظفاً من فئة أولى من دون إذن من وزيرة الداخلية؟ يؤكد المرجع القضائي نفسه: «في دعوى الإثراء غير المشروع يمكن للقاضية عون ملاحقتها من دون إذن، إذ تسقط الحصانات أمامها».
قاضي التحقيق في بيروت جورج رزق الذي أحالت عون الملف إليه مع الموقوفة، رفض استلامه. وطلب إرساله عبر الآلية القانونية، أي من خلال النيابة العامة التمييزية أو الاستئنافية في بيروت. كذلك اجتمع مجلس القضاء الأعلى بصورة استثنائية مساء أمس، ليعلن عن دعمه الكامل للقضاة مستنكراً هول مشهد أحد نواب الأمة في قصر عدل بعبدا يكيل الاتهامات والإهانات والتحقير للقاضية عون في مكتبها. وطلب مجلس القضاء الأعلى من النائب العام التمييزي ملاحقة حبيش، داعياً مجلس النواب ونقابتي المحامين إلى اتخاذ الموقف المناسب تجاه ما حصل. وحضر وزير العدل ألبرت سرحان الاجتماع معرباً عن تضامنه الكامل كوزير للعدل وقاض ومواطن مع السلطة القضائية، إزاء ما تتعرض له من حملات تجنّ وإفتراءات، واستهجن التعدي غير المبرّر الذي طاول عون أثناء أدائها رسالتها القضائية داخل قصر العدل. كما استنكر نقيب المحامين ملحم خلف تصرّف حبيش معلناً عن تدابير ستُتخذ داخل نقابة المحامين في هذا الخصوص. وقبيل منتصف الليل، انتشر خبر إحالة القاضية عون إلى هيئة التفتيش القضائي.