قبل ساعات من الموعد الأول للإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلّف، التي كان من المقرر أن تنتهي بتسمية المهندس سمير الخطيب، قلب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الطاولة على التسوية التي كان أحد أركانها، بالإضافة إلى "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" و"حركة أمل"، لكنه حينها لم يذهب إلى الاسلوب الذي اعتمده مع الوزيرين السابقين محمد الصفدي وبهيج طبارة، بل قرّر حصر أيّ تسمية جديدة بشخصه، من خلال "الفيتو" الذي وضعته دار الفتوى على أيّ مرشح آخر.
بعد حسم دار الفتوى ترشيح الحريري وحيداً لرئاسة الحكومة، لم يعد رئيس حكومة تصريف الأعمال قادراً على ممارسة لعبة حرق الأسماء، خصوصاً أن القوى التي تشكل الأكثريّة النّيابية قررت عدم الخروج عن هذا الخط الأحمر، لا بل حتى "التيار الوطني الحر"، الذي فضل الذهاب إلى المعارضة وعدم تسميته، لم يذهب إلى تحدّيه عبر تبنّي شخصيّة سنّية أخرى.
إنطلاقاً من ذلك، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الحريري وضع نفسه في حلقة مفرغة، عنوانها الأساسي عدم القدرة على المناورة لشراء المزيد من الوقت لحين الوصول إلى لحظة التسوية، خصوصاً أن الجميع بات يدرك أن هناك قراراً خارجياً بعدم تشكيل أيّ حكومة في الوقت الراهن، إلا إذا كانت تضمن خروج "حزب الله" منها، وبالتالي الإستفادة من الظروف الإقتصاديّة والماليّة والأمنيّة لزيادة الضغط على قوى الثامن من آذار، لا سيما "حزب الله"، لفرض شروط جديدة عليها في ملفّات حساسة، تتعلّق بالنازحين السوريين وإستخراج النفط.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن الحريري حالياً في موقف لا يُحسد عليه، فلا هو قادر على الذهاب إلى تسوية جديدة مع قوى الثامن من آذار من دون غطاء خارجي يضمن له النجاح في إدارة مرحلة ما بعد التكليف من جهة، ولا هو قادر على الخروج من الواجهة لإفساح المجال لشخصيّة سنّية أخرى من جهة ثانية، خصوصاً أنّ تكليفه من دون إتّفاق مسبق تبين أنه سيكون بعدد أصوات لا يتجاوز الخمسين، مع العلم أنّ ذلك لن يعني قدرته على تأليف أيّ حكومة، نظراً إلى أنه لم يستطع، حتى الساعة، الخروج من دائرة الإختصاصيين التي وضع نفسه فيها.
من وجهة نظر هذه المصادر، فإنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال هو الحلقة الأضعف في المواجهة القائمة، محلياً وخارجياً، بعد أن أظهرت الإحتجاجات الشعبيّة في الشارع والتوازنات على المستوى السّياسي ضعفه، وعدم قدرته على المبادرة قبل الوصول إلى تسوية جديدة، من غير المتوقع أن تكون في وقت قريب، في حين أن الأجواء التي حصل عليها من قوى الأكثريّة النّيابية، لا سيما "التيار الوطني الحر"، أكّدت أنّ هامش المناورة لديه لم يعد واسعاً، ما يعني أن عليه حسم خياراته قبل الموعد الجديد للإستشارات، أيّ يوم الخميس المقبل، وهذا الأمر غير متوقع إلا بحال حصول تطورات كبيرة في الفترة الفاصلة.
في المحصّلة، وجهة المشاورات الحكومية، في اليومين المقبلين، ستكون بيت الوسط، لمعرفة مدى قدرة الحريري على الخروج من الدائرة المغلقة التي حشر نفسه فيها، والبحث في إمكانية أن يكون هناك رعاية خارجية، ربما فرنسية ومصرية، لتسوية يقوم بها مع الأكثرية النيابية، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حصل عند إعلان إستقالته من العاصمة السعودية الرياض قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة، من دون تجاهل ما قد تحمله معها زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركيّة دايفيد هيل.