إنسداد شرايين التواصل يحمل بذور متغيِّرات متوَقّعة على مستوى التوازنات السياسية
من البديهي السؤال: إلى أين تتجه الأوضاع في لبنان في ظل تعاظم الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي، وهل ما زال هناك من بصيص أمل لحل الأزمة الحكومية في ضوء التأجيل الثاني للاستشارات النيابية على وقع اشتباك سياسي هو الاعنف منذ ان انطلق الحراك في الشارع الذي مرّ عليه شهران كاملان؟
إن المراقب لمسار الأحداث والتطورات السياسية يرصد بأن في الأفق ملامح أزمة «عويصة» من الصعب على أي متابع ان يتكهن إلى ما ستؤول إليه، غير ان الثابت حتى الساعة هو ان مختلف القوى السياسية مربكة وحائرة في امرها كونها لا تملك أي اجابات على الأسئلة التي تدور في ذهن كل النّاس حول مصير البلد بعدما شعروا، لا بل لمسوا، بأن هناك من بدأ بنسج خيوط الفتنة مستفيداً من الانقسام الذي يضرب عميقاً بين اللبنانيين ان على المستوى السياسي أو على مستوى الشارع.
ليس سراً ان ما يحصل يؤشر إلى ان لبنان مقبل على تطورات أقل ما يقال فيها بأنها ستكون تطورات ملتهبة وخطيرة، وهي بالتأكيد تحمل بذور متغيرات متوقعة على مستوى الخارطة السياسية وهو ما بدأت تؤشر إليه حرب البيانات التي تصدر من هذه الجهة أو تلك، وإن ما حصل بين تياري «المستقبل» و«الوطني الحر» في الساعات الماضية يُعزّز المخاوف من إمكانية انفجار مواجهة سياسية خطيرة، خصوصاً وان ما يجري على المستويين الإقليمي والدولي دقيق جداً ويجعل من أمر اللجوء إلى أي جهة خارجية للمساعدة للخروج من المأزق غير مفيد، خصوصاً وان لبنان لا يعتبر في هذه المرحلة أولوية على الأجندة الدولية.
ان ما يُعزّز الاعتقاد بأن الأزمة الراهنة سيكون عمرها طويلاً هو الطلاق الخلعي الذي وقع بين «المستقبل» و«الوطني الحر» الذي عبّر عنه بوضوح الوزير جبران باسيل في عدّة مواقف أطلقها خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الاسبوع الماضي وخلال المقابلات الصحافية التي أجراها خلال وجوده في الخارج، كما ان تبادل الرسائل النارية بين «بيت الوسط» ومعراب في ضوء الموقف الذي اتخذته «القوات اللبنانية» والذي كان سبباً في طلب الرئيس سعد الحريري تأجيل موعد الاستشارات وما تلا ذلك من ردّ من «المستقبل» يصب في الخانة نفسها أي المزيد من التعقيدات والمقاطعة.
وحيال هذا المشهد السياسي السوداوي والذي يزيد الطين بلة مالياً واقتصادياً يحمل على الاعتقاد بأن موعد الاستشارات الذي تأجل إلى يوم غدٍ الخميس لن يكون ثابتاً وان التأجيل الثالث ربما يحصل، كون ان ما من شيء يوحي بإمكانية حصول متغيرات على مستوى المواقف السياسية، وان هذا التأجيل ان هو حصل فإنه يشرع الأبواب على المزيد من التعقيد والكباش على المستوى الحكومي الذي يفتح بدوره الباب على الذهاب باتجاه خيارات كانت مستبعدة في وقت من الأوقات وهذه الخيارات لن تكون الحل المنشود للأزمة الراهنة، بل ربما تنقلنا من أزمة إلى مروحة من الأزمات التي يختلط فيها الحابل بالنابل.
غير ان المصادر السياسية التي تعترف بعمق الأزمة التي وصل إليها لبنان، ترى ان ما من مشكلة الا وتحل، وتعتبر ان وصول لبنان إلى قعر البئر مالياً واقتصادياً بفعل التدهور السياسي الحاصل لا يعني الانهيار بالكامل وان أبواب متعددة ما زال بالإمكان الولوج من خلالها لانتشال لبنان من البئر، وان الباب الأوّل يتمثل في التفاهم على توليفة حكومية تحاكي الواقع اللبناني من مختلف جوانبه، وهذا الأمر لا يتم الا إذا وضعت القوى السياسية مصالحها الخاصة جانباً وركزت اهتمامها على تجنيب لبنان الانزلاق إلى أماكن خطيرة.
وفي رأي هذه المصادر ان ما من شيء قد تغير منذ ان تأجل موعد الاستشارات الأسبوع الماضي، وما دام لم يتغيّر شيء فإن النتيجة ستكون هي ذاتها، غير اننا ربما نكون امام مشكلة إذا تمّ تأجيل الاستشارات مرّة جديدة، حيث ان المجتمع الدولي يراقب عن كثب في لبنان وهو بالتأكيد سيتحرك بقوة لمنع هذا اللف والدوران في ما خص تأليف الحكومة، إذ انه لا يرى أي مبرر لعدم الإسراع إلى تشكيل الحكومة خصوصا وان الأوضاع الاقتصادية والنقدية تفرض وجود حكومة مكتملة الاوصاف لكي تتمكن من إيجاد المخارج لهذه الأزمة.
وتعتبر المصادر، ان هناك ثلاثة عوامل ضاغطة في اتجاه الإسراع في التأليف، الأوّل وهو الشارع حيث لم يعد الحراك سلمياً بعد ان بدأنا نشهد احتكاكات ومواجهات في أكثر من منطقة، وثاني هذه العوامل هو الوضع الاقتصادي والنقدي الذي انحدر إلى أدنى المستويات. اما ثالث العوامل الضاغطة فهو المجتمع الدولي الذي بعث برسائل إلى المسؤولين تحث على ضرورة الانصراف إلى تأليف الحكومة والانطلاق في عملية إصلاحية سريعة قبل فوات الأوان.
وإذ تعتبر المصادر ان الإدارة الأميركية مقفلة نوافذها على الوضع السياسي في لبنان وتأخذ موقع المراقب، فإنها تلفت النظر إلى ان بصيص الأمل الذي كان يعوّل عليه على مستوى التقارب الاميركي - الإيراني لما لذلك من انعكاس إيجابي على لبنان سرعان ما انطفأ، حيث ان تدخل سلطنة عُمان على خط الوساطة بين البلدين لم يعط أي نتيجة، حيث يظهر ان إيران لا تريد ان تعطي الرئيس ترامب أي ورقة في الوقت الذي يرتطم فيه الرئيس الأميركي بالحائط نتيجة المواجهة التي يخوضها مع مجلس النواب الأميركي.