بعد أسابيع طويلة من الإنتظار الثقيل، تمّ تنظيم الإستشارات النيابيّة المُلزمة، وجرى تكليف الوزير السابق حسّان دياب مهمّة تشكيل الحُكومة المُقبلة، ولوّ بأغلبيّة غير كبيرة وفي ظلّ إختيار عدد كبير من النواب "عدم التسمية". فما هي المُلاحظات التي يُمكن تسجيلها بشأن هذه الخُطوة؟.
أوّلاً: إنّ تكليف الدُكتور دياب جاء من قبل الأكثريّة النيابيّة المُتمثّلة بكل من تحالف "التيّار الوطني الحُرّ" مع "الثنائي الشيعي" وبعض القوى والشخصيّات التي تدور في فلك "محور المُقاومة والمُمانعة"، في مُقابل ذهاب باقي الكتل،إضافة إلى عدد من الشخصيّات المُتفرّقة إلى خيار تسمية السفير نوّاف سلام-كما فعل حزبا "الكتائب اللبنانية" و"التقدمي الإشتراكي" من باب رفع العتب في ظلّ إنعدام فرص فوز مُرشّحهم، أو إلى خيار عدم تسمية أيّ شخصيّة خلال الإستشارات–كما فعل "تيّار المُستقبل" وحزب "القوات اللبنانيّة" وبعض الشخصيّات المُستقلّة من باب تسجيل المواقف الإعتراضيّة. وبالتالي، إنّ المنحى الذي أخذته الإستشارات، جعل التكليف يتمّ بلون واحد–إذا جاز التعبير، أي من قبل فريق قوى "8 آذار" حصرًا بالتحالف مع "التيّار"، من دون أن يحوز رئيس الحُكومة المُكلّف على أي صوت داعم من جانب قوى "14 آذار" السابقة.
ثانيًا: إنّ "الثنائي الشيعي" دُفِع دفعًا إلى هذا الخيار، بعد أن كان يُراهن على قُبول رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري هذه المهمّة، لكن بعد خفض سقف شروطه المُسبقة، بينما "التيّار الوطني الحُرّ" كان رأس الحربة في رسوّ الخيار النهائي على إسم الوزير السابق دياب، بعد إنسحاب الحريري من المُنافسة، علمًا أنّ "التيّار" كان من بداية الأزمة يميل إلى حكومة من "لون واحد"، بعكس "الثنائي الشيعي" الذي كان يُفضّل–وحتى الأمس القريب، التفاهم مع "تيّار المُستقبل"، ولوّ أنّ "حركة أمل" كانت في واجهة هذه المهمّة، بينما "حزب الله" يدعمها في الظلّ.
ثالثًا: إنّ قيام كتلة حزب "القوات اللبنانيّة" بعدم تسمية أي شخصيّة سنّية، جاء لتسجيل موقف إعتراضي على الإتفاق المُنجز سلفًا، بينما قيام كتلة "تيّار المُستقبل" بعدم تسمية الوزير السابق دياب جاء كموقف إعتراضي على إبعاد الحريري أوّلاً، وعلى عدم الأخذ برأي "تيّار المُستقبل" لتأمين الغطاء للمُرشّح الجديد ثانيًا. وعلى الرغم من أنّ رئيس الحُكومة المُكلّف الجديد حاز على عدد من أصوات النوّاب السُنّة، لا سيّما من كتلة "اللقاء التشاوري" ومن النوّاب السنّة الذين ينتمون إلى كتل مَحسوبة على قوى "8 آذار"، فإنّ أغلبيّة الأصوات السنيّة ليست داعمة له، و"تيّار المُستقبل" الذي لا يزال القُوّة الأكبر سياسيًا وشعبيًا–على الرغم من تراجعه الكبير منذ سنتين حتى اليوم، لم يُؤمّن الغطاء المَعنوي له.
رابعًا: في حال أصرّت القوى التي قرّرت عدم تسمية الدُكتور دياب لتشكيل الحُكومة، المُضيّ قُدمًا خلال عمليّة التشكيل، أي عدم المُشاركة في الحُكومة بأي مُمثّل عنها، فهذا يعني أنّ الحكومة التي يُمكن أن تُولد ستكون حتمًا حكومة "اللون الواحد"–ولوّ بغطاء وزراء تكنوقراط وإختصاصيّين. والموقف الأوضح بالنسبة إلى عدم المُشاركة في الحُكومة المقبلة، يعود إلى "القوّات"، بينما "المُستقبل" ألمح بدوره إلى هذا الخيار، في حين تردّد أن "الإشتراكي" قد يذهب بدوره إلى خيار عدم المُشاركة في نهاية المطاف.
خامسًا: إنّ إحتمال الذهاب بخيار حكومة "اللون الواحد" من قبل الأغلبيّة النيابيّة مُمكن، لكنّ إحتمال التراجع عن هذا الخيار وارد في أيّ لحظة، إمّا بحجّة الحفاظ على ميثاقيّة الحُكومة، وإمّا في حال فشل رئيس حُكومة تصريف الأعمال في تشكيل حُكومة جديدة، أو لأي "سيناريو" آخر يُمكن الخروج به في المُستقبل، بهدف إعادة تعويم خيار رئيس "تيّار المُستقبل" سعد الحريري، في حال حمَلت الأيّام المُقبلة توافقا في هذا الإتجاه!.
سادسًا: إنّ الإصرار على عدم التقيّد بمسألة الميثاقيّة، وبالشخصيّة الأقوى ضُمن طائفتها وبيئتها، لتكليفها مُهمّة تشكيل الحُكومة، سيفتح الباب واسعًا أمام تطبيق هذا الأمر في المُستقبل. وبالتالي، إنّ ردّ رئيس "تيّار المُستقبل" على خُطوة إبعاده، بعد رفض تلبية شروطه، وبعد عجزه عن تأمين أغلبيّة نيابيّة داعمة له، قد يُطبّق عند حلول موعد الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة، بحيث يتمّ إنتخاب الرئيس الجديد تبعًا لتصويت النوّاب، وللتفاهم الداخلي الذي يُمكن أن يحصل، وليس تبعًا لمُقتضيات الحفاظ على الميثاقيّة، ومُتطلّبات إختيار الشخصيّة الأقوى ضُمن طائفتها، الأمر الذي يرفع أسهم رئيس "تيّار المردة" الوزير السابق سليمان فرنجيّة.
في الختام، صحيح أنّ صفحة التكليف طُويت مرحليًا، لكنّ الأصحّ أنّ طيّها كليًا لا يُمكن أن يحصل قبل تشكيل الحُكومة الجديدة ونيلها الثقة، علمًا أنّ الأمور مَفتوحة على كلّ الإحتمالات، لجهة إمكان إعلان رئيس الحُكومة المُكلّف عدم قُدرته على التشكيل في حال واجه عقبات وإعتراضات صاخبة. والأخطر أنّه حتى لو كان رئيس الحُكومة المُكلّف الجديد قادرًا على أن يحصد مع حُكومته المُقبلة ثقة أغلبيّة عدديّة في المجلس النيابي، فالسؤال الذي يفرض نفسه، هو: هل سينال ثقة المتظاهرين؟ والأهمّ هل سيتمكّن من إنقاذ الوضع اللبناني الغارق بالأزمات من كلّ حدب وصوب؟!.