عادةً ما يُقال عند ولادة أيّ طفلٍ، إنّه يُشبِه والده أو أمّه. لقد حدث العكس مع يسوع، فمريم هي التي تُشبِه ابنها لا العكس، لأنّ المولود في بيت لحم هو خالق أمّه، إذ به كانت مريم وكان الإنسان لأنّ "بِه كان كُلُّ شيء، وبغيرِه لَم يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ"(يو1: 3)، هو الذي خلق مريم وخلق الإنسان "على صورته ومثاله"(تك1: 27).
هي المرّة الأولى في التاريخ التي لا تكون فيها السّماء فوق بل تحت، وبالتالي لا يحتاج الإنسان إلى النظّر إلى فوق ليُشير إلى السّماء، لأنّها موجودة أمام أنظارِه في مذود.
قال يوحنا الإنجيلي، "لأنّ الله هكذا أحبّ العالم"(يو3: 16)، حتّى أنّه أرسل ابنه الوحيد إلى العالم ليُخلّص به العالم. الإله الذي هو فوق أصبَح بَشَرياً على الأرض. الطبيعة الإلهيّة لبست الطبيعة البشرية، وسكنت في عالم البشر(يو1: 14)، فأصبح أن لا مجال بعد اليوم للحديث عن سماء فوق، بل عن سماءٍ تحت، لأنّ الله صار معنا، وسار معنا فشابَهنا في كلِّ شيء، أي في حياتنا كلّها من دون أن يُشابِهنا في خطايانا، لأنه البّار الذي يُخلّص الخطأة. وهذا هو معنى إسم يسوع: "الله يُخلِّص".
ساكن السّماء أصبح ساكن الأرض، وأضحت بيت لحم المكان الجامع ما بين الأرض والسماء: فهنا يلتقي وجه الله بوجه الإنسان بشكلٍ مباشر، من دون أيّة حواجز. وهنا يتكلّم الله مع الإنسان من دون تكلّف ولا وسائط. وهنا يقول الله للإنسان أنا آتٍ لأقيم معك، ويسأله إن كان يقبل به ليُقيم معه.
قال يسوع: إنّ"ملكوت الله في داخلِكم"(لو17: 21). وهذا يعني أنّ الله ليس هُناك في البعيد، بل هو هُنا في القريب، إنّه معنا: "عمانوئيل". الله معنا عندما يعطينا الحياة، وهو معنا في كلّ مراحل حياتنا، وهو معنا في الفرح وهو معنا في وقت الشِّدّة، وفي وقت الضّعف والحزن والفشل، وهو معنا حتى عندما نخطئ لأنّه المُخلّص.
يُعلِّمنا قُرب الله منّا، أن نكون قريبين بدورنا من بعضنا البعض، فلا نترك إخوتنا لِقَدَرِهم غير عابئين بما يُصيبهم، مُدّعين بأنّ لَهُم مَن يقف إلى جانبهم ويُعينهم. بل لنسعى إلى نجدة إخوتنا في أوضاعهم كافّة لا سيّما في وقت الشّدة والضّيق؛ ففي هذا الوقت بالذّات تظهر أصالتنا الإيمانيّة، وتديّننا الحقيقي.
مارانا تا... تعال أيّها السيّد، فنحن بانتظارِك لتَملِك علينا وتُعلّمنا أن نكون لك ولبعضنا البعض. آمين.