يُشير لوقا الإنجيلي إلى أنّ مريم بعدما وَلَدت إبنها يسوع "قَمَّطَتْهُ، وأَضْجَعَتْهُ في مِذْوَد"(لو2: 7).
كلّ شيء في هذه الآية يُشيرُ إلى الموت:
فالقماط هو الكَفَن الذي يُلَفُّ به المَيت قبل مثوله أمام الله. وهو بلونه الأبيض يرمز إلى حياة النقاوة التي من المفترض أن يكون عليها الإنسان عند انتقاله من العالم لِمُلاقاة النّور الإلهي.
والمذود هو المَعلَف الذي توضَع فيه الحشائش للحيوانات لكي تأكل وتسمَن قبل أن تُذبح وتُعطي لآكليها الحياة.
أتى يسوع لكي يموت لا العَكس. في قيصريّة فيليبّس، ومن بعد أن عَرَف يسوع ما يقوله به النّاس وما يقوله به تلاميذه،" بَدَأَ يَسُوعُ يُبَيِّنُ لِتَلامِيْذِهِ أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَذْهَبَ إِلى أُورَشَلِيْم، ويَتَأَلَّمَ كَثِيْرًا عَلى أَيْدِي الشُّيُوخِ والأَحْبَارِ والكَتَبَة، ويُقْتَل، وفي اليَوْمِ الثَّالِثِ يَقُوم"(متى16: 21).
لَم يُقدِّم يسوع ذاتَه كآتٍ من السّماء وحسب، بل كآتٍ لكي يَهبَ ذاتَه فيموت عن كُلِّ مائتٍ لكي يقوم المائتون به إلى الحياة الأبدية، وهكذا نفهم الآية القائلة "وقُمِّط واُضجِع في مزود". الخُبز يُكسَر ويُطحن بين أسنان الآكلين لكي يُعطي الحياة لآكليه إلى حين. يسوع هو"الخبز النّازل من السّماء"(يو6: 51)، لكي يُكسر ويُطحن بدوره، فيتألّم ويموت حُبّاً بالإنسان، ويقوم ليُعطي لآكليه الحياة الأبدية. أدرك القديس أغسطينُوس رمز المذود، فكتب: "المُضجَع في المذود، أصبح طعامنا"(عظة 189، 4). أتى، في الحقيقة، ليكونَ خُبزاً يؤكّل، لكي يقتات منه المائتون فيَحيَون.
رَضيَ يسوع بالإسطبل لأنّه لَم يكن له موضِعٌ في الفندق، وهو مُعطي الخيرات. ورَضي بالمذود عرشاً وهو ملِك الملوك. ورَضي بالموت عن الإنسان وهو سيّد الحياة.
قيمة الحياة ليست في ما ندّخر، بل في ما نُحبّ. الطّمع والجشع والشراهة وحُبّ الإمتلاك هُم أنانيّة. والأنانيّة هي التموضع في المساحة الشخصيّة المُقفلة وعدم السّماح لأحد بالإقتراب منها. ولكن هل نحن فعلاً بحاجة إلى ما هو معنا لنعيش حياةً كريمة؟ هل نحن بحاجةٍ إلى كلّ هذه الأكسسورارت المُعقّدة التي تحوط بِنا لكي نشعر بالإطمئنان؟ أليس بإمكاننا التخلّي ولو عن القليل الذي يصنع الفرق في ضواحي الفقراء؟ أنْ لا نكون بحاجة إلى إخوتنا لا يعني أنّ إخوتنا ليسوا بحاجة إلينا! من هذا المُنطلق، فلنفكّر في إخوتنا. ولنفكّر بأنّ معنى الحياة الحقيقي، ليس في ما ندّخره من خيرات، بل في ما نقوم به من أعمالٍ رحمة تُظهر صِدق إيماننا وحِرصنا على نُحبّ الجميع بالمحبّة التي أحبّنا بها الله الآب.
نُصلّي لكي يقتلع الربّ من قلوبنا كلّ طمع وجشع، ويزرع مكانهما المحبّة العاملة أعمال الله. آمين.