يُخبرنا الإنجيلي لوقا بأنَّ مجوساً من الشرق أتوا وسجدوا للطّفل في بيت لحم (متى2: 11). وكان سبقهم إلى ذلِك الرّعاة الذين "جَاؤُوا مُسْرِعِين، فوَجَدُوا مَرْيمَ ويُوسُف، والطِّفْلَ مُضْجَعًا في الـمِذْوَد"(لو2: 16).
وفي الواقع، لم يكن الرّعاة ولا المجوس أوّل السّاجدين ليسوع، بل حيوانات الإصطبل! جاء في سفر أشعيا النبيّ: "عَرفَ الثَّورُ مالِكَهُ، والحِمارُ مَعْلف صاحِبهِ"(أشعيا 1: 3). الثور والحِمار يرمزان إلى آلهة الحضارة الوثنيّة، وفي سجودهما دلالة على أنّ هذه الحضارة سجدت كلّها لمَلِك الملوك وسيّد السّادة؛ فلا مَلِك يملِك على العالم سِواه.
السّجود هو الإقرار بسيادة الله وقبوله كرأس الخليقة ومُدبّرها ومُخلّصها. سجد العالم الوثني أوّلاً، مؤمناً بسيادة الله الحقيقي عليه. ومن ثُمَّ سجد الرّعاة المساكين المتواضعين مؤمنين بُقدرَة هذا المولود على أن يكون للصّغار وإلى جانب الصّغار والضّعفاء. وسجد المجوس الحكماء، فقَبِلوا بسيادة الحكمة الإلهيّة على العقل البشري، التي بدونها يُصبِح العقل خطراً على الإنسان، "وافتتحوا رحلة الإنجيل بين الشّعوب"(البابا فرنسيس، علامة عجيبة، فقرة 10).
في هذا الأيّام الجميلة التي نتحلّق فيها كُلّنا حول هذا الحدث العظيم الذي غيّر وجه التّاريخ إلى ما لا نهاية، لنتبنّى قول يوحنا بولس الثّاني: "لا تخافوا! افتحوا لا بل شرِّعوا الأبواب للمسيح"؛ أبواب قلوبنا وعقولنا فنقبله فادياً ومُخلِّصاً. أبواب بيوتنا ليُقيم فيها ويُحوّلها إلى كنائس يَنعم أفرادها بدفء الأمانة والمحبّة والتعاون والتضامن. أبواب الثقافات لتكون في خدمة الحقيقة. أبواب السّياسة والإقتصاد لتخدم قضية إنماء الإنسان. ففي هذا العالم الجديد الذي أسّسه يسوع، يجدر بالجهود كلّها أن تتوحَّد على قاعدة الإيمان بالإنسان، محطِّ إنظار الله، ومكان سُكناه.
لنُصلّي من أجل عالَم يليق بالإنسان، يعمل فيه الإنسان بسخاء أكثر لصالح العدالة والسّلام والأخوّة والتّضامن. آمين.