منذ دخوله الى السلطة في أوائل تسعينيات القرن الفائت، وتيار المستقبل يلجأ الى استخدام "اللعبة الطائفية" تارةَ و"المذهبية" طوراً، عند المقتضى السياسي، وحماية مصالحه ومنافعه، وتعزيز نفوذه، بدأ ذلك يوم كان يدفع جمهوره، للتصادم مع مكوّن بيروتي في الملاعب الرياضية، في سبيل شد أزر هذا الجمهور، لتوظيف ذلك في "معاركه" الانتخابية، ثم بعد ذلك، يتحالف مع هذا المكوّن في الانتخابات النقابية، والتسويات التي تتوافق مع مآربه، وتسهم في تحقيق الأرباح المالية، خصوصاً العقارية منها، لرئيس التيار المذكور، وفريقه السياسي، كفرض مجلس بلدي في مدينة بيروت، يؤّمن استمرار المصالح والمنافع المذكورة آنفاً، كمجلسي بلدية العاصمة الذي أوصلته الحريرية، في العامين 1998 و2004. وفي الشأن السياسي، تحديداً الحكومي، عمد التيار الأزرق في العام 1998، يوم خرج الرئيس رفيق الحريري من الحكم، في عهد الرئيس العماد إميل لحود، بعدها أثار جمهور هذا التيار النعرات الطائفية والمذهبية، لحشد شعبيته، قبيل الاستحقاق النيابي لعام 2000. آنذاك قال الشهيد الحريري للحود: "سأعود الى الحكم على حصان أبيض"، وفعلاً هذا ما حدث، فقد فاز الحريري فوزاً ساحقاً في كل دوائر بيروت، بالتحالف مع شخصيات قربية من دمشق، كالنواب السابقين: ناصر قنديل، وباسم يموت والمرحوم عدنان عرقجي، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
وغداة الانسحاب السوري، تمسك تيار الحريري، بالسلاح المذهبي، واستخدامه، في شكل أعنف، من مرحلة حقبة الوصاية، في ضوء غياب ضابط إيقاع السياسة اللبنانية، أثر إنسحابه من لبنان في نيسان 2005. ولايزال مشهد رعاية هذا التيار لـ 21 جولة اشتباك ذات ابعاد مذهبية بين أبناء مدينة طرابلس ماثل أمام الأعين، بإدارة المسؤول العسكري في "المستقبل" العقيد المتقاعد عميد حمود، وتبني علني لدوره في حينه، من المسؤول الأمني في "حزب الحريري" اللواء أشرف ريفي، يوم دافع عن قادة المحاور في عاصمة الشمال، واصفاً اياهم بالشجعان وانهم يدافعون عن "شرف المدينة"، قائلا: "لا نستطع ان نرتدي تنانير وسندافع عن شرف المدينة". بالإضافة الى تنظيم مجموعة مسلحة في بيروت، حملت أسماء ورفعت شعارات مذهبية، "كأسود طريق الجديدة" وسواها، برعاية النائب السابق سليم دياب، إنتهت تلك المجموعات بهزيمة ساحقة ماحقة في السابع من أيار من العام 2008، وحتى الساعة لم يتعظ هذا التيار من كل تجاربه الفاشلة.
وما أشبه اليوم بالامس، يوم أعلن تيار الحريري، "يوم الغضب"، عند الخروج الدستوري للرئيس سعد الحريري من السرايا الكبيرة في العام 2010، أيضا وأيضا عاد وقتها الى استخدام "لعبة الشارع"، وإثارة النعرات المذهبية، عمل على تسعيرها آنذاك، مسؤول التثقيف السياسي في "المستقبل" محمد سلام، يوم أطلق مقولته الشهيرة: "استفاق المادر السني". واليوم بعد اعتذار الحريري عن قبول تكليفه تأليف حكومة جديدة، كعادته لجأ "المستقبل" مجدداً الى استخدام المذهبية، واثارة الفتن والفوضى في الشارع، ما يتهدد الاستقرار اللبناني برمته، لولا تدخل العناية الإلهية، وحكمة بعض الأفرقاء وحرصهم على حماية البلد.
وفي هذا الصدد، تؤكد مصادر سياسية واسعة أن ما حدث من أعمال شغب واعتداءات على الجيش والأجهزة الأمنية في منطقة كورنيش المزرعة، في الساعات الفائتة، لن تؤثر في مسار تأليف الحكومة المرتقبة، ولن تؤدي الا الى مزيد من ضرب أرزاق الناس، وتسميم أجواء البلد، على حد قول المصادر. وتستغرب كل ما حدث في المزرعة وسواها، خصوصاً أن الحريري، هو من اعتذر عن "التكليف". وتلفت الى أن الرئيس المكلف حسان دياب، هو من ذوي الاختصاصات العلمية، ومن خارج النادي السياسي التقليدي، وغير مقيدٍ باي تنظيم سياسي، الأمر الذي يتوافق تماما مع مطالب الحراك الشعبي.
وتكشف المصادر أن دياب يحظى بدعم عربي و خليجي، تحديداً مصريٍ وقطري. أما بالنسبة للموقف السعودي، فتشير المصادر الى الرياض، على ما يبدو لا تؤيد وجود الحريري في موقع الرئاسة الثالثة، لافتةً الى أن جريدة "الشرق الأوسط"، تحدثت مراراً عن استحالة تشكيل حكومة تكنوقراط في لبنان، خلافاً لتوجه الحريري. ولكن الأخير، ظل متمسكاً بشروطه، اي تشكيل حكومة من الاختصاصيين، وهذا أمر غير متاح، وفي الوقت عينه، كان يرفض رفضا قاطعاً تسمية اي شخصية بديلة عنه، لتكليفها تأليف الحكومة العتيدة.
وتكشف المصادر ايضاً أن رئيس حكومة تصريف الأعمال أكد مراراً لرئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال "مفاوضات التأليف" أنه أي الحريري لن يقبل أن يسمي اي كان بدلاً منه"، حتى أنه رفض اقتراحا، بتسمية النائب بهية الحريري، أو ابنها نادر.
وتتوقع المصادر حدوث بعض الانفراجات الاقتصادية، أثر ولادة حكومة دياب المرتقبة، خصوصا أنه يحظى بدعمٍ إقليميٍ كما جاء آنفا، حتى الولايات المتحدة لم تبد موقفا سلبيا من الرئيس المكلف، فقد أكتفى مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل خلال زيارته للبنان، بالتركيز على الحكومة الجديدة وبعدها الإصلاحي، وخطورة توريطها بالتحوّل لحكومة تخضع لحزب الله، تختم المصادر.