منذ ايام، والحراك الشعبي في لبنان، تحوّل وخصوصاً في طريق الجديدة، الى "حراك سنّي" هدفه اسقاط رئيس الحكومة المكلّف حسان دياب وعودة رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري الى السراي الكبير. الامر تخطى المظاهرات السلميّة والتعبير عن الرأي، وجرف معه التغيير على طريقة غاندي واسقاط اقنعة الفساد والهدر والسرقة عن المسؤولين، ووصل بالبعض الى حدّ نزع الهويّة المذهبيّة لدياب بسبب قبوله التكليف. هذه التصرفات، طرحت وبقوّة، سؤالاً لمن يقوم بها: من يسيء الى الطائفة السنّية ويسقط ممثلها السياسي في الشارع؟ وهل يحقّ بعد اليوم لأيّ كان ان يتم اتهامه باستهدافها في حين ان ابناءها هم الذين يقومون بمثل هذا العمل؟ في الواقع، يقوم السنّة حالياً بما لم يقم به المسيحيون ولا الشيعة، اذ انه على الرغم من وجود قسم كبير من ابناء الطائفتين معارض بشدّة لسياسات رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، لم يكن هناك من تحرك فردي لاسقاط أي منهما في الشارع، فكانت التحركات جامعة وتضم مواطنين من كل الطوائف والمذاهب، وتنادي باسقاط جميع المسؤولين، وهذا ما ادى الى اللغط الكبير والسجالات حول شعار "كلن يعني كلن".
المعارك الشديدة التي سجّلت على خط كورنيش المزرعة كانت كفيلة بتغيير سير الامور والاهداف للحركة في الشارع، التي انطلقت في 17 تشرين الاول الفائت في مختلف المناطق اللبنانية، وادّت بالفعل الى نتائج معاكسة لمن نزل الى الشارع في تلك المنطقة. واذا كانت مطالب هؤلاء احترام السنّة وحقوقهم، والتعبير عن حبّهم للحريري، فإنّ العكس تماماً هو ما حصل، اذ انهم ساهموا باضعاف السنّية من خلال العمل على اسقاط رئيس الحكومة المكلّف في الشارع والتشكيك بسنيّته، ناهيك عن الصاق تهمة بالحريري بالوقوف وراء هذه التحرّكات واضعاف شعبيّته من خلال تجاه رغبته وهو القائل: "من يحبّني بالفعل يخرج من الشارع"، فلم يلبِّ احد طلبه وبدا وكأنه لا شعبية له ولا حتى "مَونة" على من يفترض ان يكونوا مناصريه ومحازبيه ومؤيديه.
في القراءة السياسية، على من يؤيد الحريري ان يعي انه لم يعمد الى احباط وكسر دياب، بدليل انه لم يسمّ احداً خلال الاستشارات، كما انه التقاه مرتين محترماً بالتالي العادات والتقاليد في حين انه كان بإمكانه مغادرة البلاد او التذرّع بأعذار عديدة لتأجيل اللقاء وارسال رسائل في هذا المجال الى دياب ومن يعنيه الامر بأنه عازم على عدم تسهيل المهمة دون الاساءة الى السلمية والدبلوماسية. قد يكون السنّة في لبنان، او شريحة منهم، قد شعروا انهم مستهدفون او "ظُلموا" في مرحلة ما وارادوا رفع صوتهم، ولكن الاسلوب والمطالب وقعت في خطأ بالغ يجب اصلاحه بسرعة، اذ انهم عمدوا الى ترسيخ ما يشكون منه بدل العمل على الخروج منه، وكان اجدى بهم التعاون مع متظاهرين من طوائف ومذاهب اخرى ومن مختلف الانتماءات السياسية، لاشعار دياب بوجود ضغط عليه من قبل الشعب، وهو امر قد ينجح او لا ينجح، ولكن حظوظه تبقى اكبر بكثير من التحرّكات غير السلميّة التي شهدناها على مدى ايام.
صحيح ان حكومات سبق وان سقطت في الشارع، ولكن مسقطيها لم يكونوا من الطائفة او المذهب نفسه الذي ينتمي اليه رئيس الحكومة، وعلى الرغم من انّ فرص نجاح هذا الهدف يكاد يكون قريباً من الصفر، الا انّه سيبقى حاضراً في الاذهان والاحداث، ولم يعد من المسموح بعد اليوم توجيه اتهامات لاحد او لطائفة اخرى او مذهب آخر بالعمل على اضعاف الحضور السنّي في الحياة السّياسية اللبنانيّة.