منذ حوالي الشهر واللبنانيون يشعرون بالإختناق نتيجة القيود الكبيرة التي فرضتها المصارف عليهم بعد بدء التحركات في الشارع وتهافتهم لسحب الأموال ما دفعها الى اتخاذ اجراءات كانت غير مفهومة وربما أخافت المودعين أكثر، ويوماً بعد يوم تتزايد هذه القيود حتى إنه وصلت الى حدّ وضع Capital Control غير معلن، ما يمنع تحويل الأموال الى الخارج خوفاً من الأزمة وإنهيار الليرة!.
ولكن، ورغم ذلك بقيت المعاناة كبيرة والسحوبات بالدولار تكاد تكون معدومة، والقيود على السحوبات بالليرة كبيرة، هذا كله جاء بظل الكلام عن أن المصارف ترزح تحت أعباء بظل غياب السيولة... وبالأمس خرج نائب ليعلن أن 11 مليار دولار حوّلت الى الخارج مطالباً باستعادتها، في حين أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أكد أن لا علم له بخروج هذه المبالغ، فما حقيقة الامر وهل يمكن استعادتها؟!
صلاحيات هيئة التحقيق
لنعرف دور مصرف لبنان وصلاحياته في مجال تحويل الأموال الى الخارج يجب العودة أولاً الى قانون مكافحة تبييض الأموال في العام 2015، والذي خلق بداخله هيئة التحقيق الخاصة وتتألف من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (رئيسا)، رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود (عضو)، القاضي المعيّن في الهيئة المصرفية العليا علي ابراهيم (عضو)، والعضو المهني المعين من قبل مجلس الوزراء جوزيف انطكلي.
تشرح المصادر أن "لهيئة التحقيق الخاصة صلاحيات استثنائية تتركّز على متابعة حركة الاموال في لبنان، كما أن لديها تعاون دولي يسمح لها بملاحقة كلّ الأموال التي تحوّل الى الخارج"، لافتةً الى أن "عمل الهيئة يبدأ عند إعلان أي مصرف أنه يشكّ في حساب معيّن، وهنا يرفع الموضوع الى مصرف لبنان الذي بدوره يحقق بالتحويلات بواسطة هيئة التحقيق الخاصة".
تعميم رقم 83 ومراقبة الحسابات
في العام 2016 أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً يتعلّق بنظام مراقبة العمليات المالية والمصرفية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الذي يحمل رقم 83 الصادر في العام 2016. أولاً يحدد هذا التعميم وفي القسم الثاني منه العلاقات مع العملاء واجراءات العناية الواجبة، وهنا بحسب المصادر فإن "التعميم يحدّد العلاقة بين المصرف والمودعين"، وتضيف: "الإجراءات التي تطبقها المصارف عند فتح أيّ حساب واضحة حتى المودع يوقّع على مئات الأوراق التي عليه التصريح فيها عن مصدر المبلغ إذا كان يفوق 10 آلاف دولار مثلاً"، وهنا تشير المصادر الى أن "كلّ مصرف يستطيع أن يحدد حركة كلّ حساب ونوعية الأموال التي تدخل عليه وهل هي تتضمن تبييضاً للأموال أو لأموال غير مشروعة وغيرها"، وتضيف المصادر: "المادة الخامسة من القسم الثاني توجب على المصرف أن يبلغ فورا حاكم المصرف المركزي بصفته رئيسا لهيئة التحقيق الخاصة إذا كانت لديه شكوك بأن العملية المصرفية أو محاولة اجراءها تتعلق بتبييض الأموال أو تمويل الارهاب أو لأعمال ارهابية"، مؤكدة في نفس الوقت أن "التعميم وبمختصره يحدد أن العمليات الكبرى يجب أن تتم عبر مصرف لبنان".
تعاون دولي
المادة التاسعة من التعميم توجب على المصارف اعتماد مقاربة مبنية على المخاطر لتصنيف العملاء والعمليات، وفق درجات مخاطر حددتها المادة التاسعة المتعلقة بمخاطر العميل (النقطة ب) بالاشخاص المعرضين سياسياً Politically Exposed Persons وفق تعريف مجموعة العمل المالي. وتشرح المصادر أن "هذه الحسابات تخضع للمراقبة بشكل دوري سواء في لبنان أو في مسألة التحويل الى الخارج".
إذاً، بإمكان مصرف لبنان معرفة كلّ حركة الحسابات في لبنان ويمكنه أيضاً التحقق منها بواسطة هيئة التحقيق الخاصة. وتذهب المصادر أبعد منذ ذلك لتشرح أن "لهيئة التحقيق الخاصة القدرة على تبادل المعلومات مع جهات داخلية كالوزارات، لجنة الرقابة على المصارف، الهيئة المصرفية العليا، هيئة الاسواق المالية وغيرها كما ومع جهات خارجية: سلطات انفاذ القانون، وزارات، الامم المتحدة، سلطات رقابية، انتربول، وحدات إخبار مالي في حال شكّكت في حساب ما أو في إجراء أيّ عملية تحويل الى الخارج".
استرداد الاصول غير المشروعة
تصل المصادر الى عمل الوحدة الادارية لجمع المعلومات المالية، وتشير الى أن من الالتزامات الخارجية لمديرة الوحدة مشاركتها في سويسرا في ورشة العمل التاسعة للمعنيين بإسترداد الاصول غير المشروعة للأشخاص المعرضين سياسياً، الذي وضع المبادئ التوجيهية لاسترداد فعّال للاصول المسروقة، لافتة الى أن "النصّ واضح وهو يسمح لهيئة التحقيق ليس فقط بالكشف عن الحساب ومتابعته، بل باسترداد الأموال"، مشيرةً أيضاً الى أن "هذا البند يمنع تحويل أي أموال الى الخارج إلا بعد موافقة هيئة التحقيق الخاصة".
إذاً القوانين اللبنانية واضحة، فهي تسمح:
أولاً، للمصارف ولمصرف لبنان بمعرفة مصادر الاموال وإذا كانت حسابات عادية أم أموالاً غير مشروعة.
ثانيا، للمصرف المركزي بالتحقيق فيها بواسطة هيئة التحقيق الخاصة.
ثالثا، بإسترداد الاموال إذا كانت من الاصول غير المشروعة... عبر الالتزامات الخارجية.
ولكن السؤال الأهمّ: هل حاكم المصرف المكزي رياض سلامة غافل عن هذا كلّه حتى قال إنه لا يمكنه معرفة إذا ما حوّلت الأموال الى الخارج؟! وهو الذي يرأس هيئة التحقيق وأصدر التعميم الشهير عام 2016، أم أن كلّ ما يحصل اليوم يدخل في إطار "مؤامرة" كبرى؟!.