ودّع اللبنانيون العام الماضي بلا حكومة، وها هم يودّعون العام الحالي بلا حكومة أيضا، رغم كل ما قيل عن أن حكومة "الى العمل" ستعمّر طويلا. طارت حكومة "العهد الاولى" وهي الحكومة رقم 75 بتاريخ لبنان، بعد أقلّ من عام واحد على بدء عملها، لتكون بذلك قد احتاجت الى 9 أشهر لكي تولد، و9 أشهر لكي تموت.
شهد لبنان قبل الطائف انواعا كثيرة وغريبة من الحكومات، أغربها على الإطلاق تلك التي شكّلها بشارة الخوري في 14 أيار عام 1929 وضمّت بالاضافة اليه نجيب أبو صوان وحسين الأحدب، مع الإشارة الى أنّ الحكومة الثلاثية كهذه تكررت أكثر من مرة وتحديدا في العام 1952، وكانت تؤلّف الحكومات بطريقة مغايرة عن تلك التي نعرفها اليوم والتي بدأت بعد توقيع اتفاق الطائف في العام 1989.
بعد الطائف يمكن تقسيم التاريخ الى قسمين بما يتعلق بشكل الحكومات وكيفية تشكيلها، من العام 1989 الى العام 2005، وتلك هي مرحلة الوجود السوري في لبنان، ومرحلة ما بعد الـ2005 عندما نال لبنان استقلاله السياسي وبات يُفترض به أن يشكل الحكومات منفردا.
في المرحلة الأولى شهد لبنان أكثر من حكومة، لم تنل عمليّة ولادتها أكثر من 20 يوما على الأكثر، والبداية كانت مع حكومة سليم الحص التي أحتاجت الى 13 يوما لتولد، ومن بعدها حكومة عمر كرامي عام 1991 والتي لم تكن بحاجة الى أكثر من 5 أيام لتتشكّل، ومن ثم حكومة رشيد الصلح عام 1992 واحتاجت الى 4 أيام فقط، بعدها حكومة رفيق الحريري واحتاجت الى 8 أيام وتمكنت من الحكم لمدة 6 سنوات حتى العام 1998، يوم انتهت ولاية رئيس الجمهورية الياس الهراوي.
في عهد الرئيس إميل لحود كانت البداية مع الحكومة الأسرع تشكيلا في تاريخ لبنان الحديث، حيث احتاجت حكومة سليم الحص الى يومين فقط لكي تُولد، واستمرت لمدة سنة واحدة و321 يوما، أي حتى موعد الانتخابات النيابيّة الشهيرة التي عاد فيها رفيق الحريري زعيما للسنّة في لبنان. بعد الانتخابات النيابية عاد الحريري الأب الى الحكومة وبقي حتى العام 2004، ليخلفه عمر كرامي في حكومة لم تتمكن من الصمود طويلا بسبب اغتيال رفيق الحريري، وهكذا انتهت المرحلة الاولى من تاريخ لبنان بعد الطائف مع خروج الجيش السوري من لبنان، لتبدأ بعدها "لعنة" تشكيل الحكومات.
اول حكومة بعد خروج السوريين كانت لنجيب ميقاتي وتحمل الرقم 68، وتشكلت خلال 50 يوما وكان هدفها إجراء الانتخابات النيابية وضمّت 14 وزيرا فقط، تلتها حكومة فؤاد السنيورة المؤلفة من 24 وزيرا واستغرق تشكيلها الوقت الأقصر في كل مرحلة ما بعد 2005، وهو 19 يوما فقط، وبعدها حكومة للسنيورة أيضا التي تلت اتفاق الدوحة الشهير واستغرق تشكيلها فترة طويلة تزيد عن 130 يوما، أيّ حوالي 4 أشهر ونيّف، ومن بعدها حكومة سعد الدين الحريري عام 2009 والتي احتاج الحريري فيها الى محاولتين، الأولى استغرقت شهرين ونصف، ثم اعتذر عن التكليف، ثم كُلّف مجددا، ليشكّل بعد شهرين إضافيين.
بعد حكومة الحريري حان دور نجيب ميقاتي مجددا الذي شكّل "حكومة المواجهة" الشهيرة، واستغرق تشكيلها 5 أشهر رغم أنها كانت لفريق واحد، وحملت الرقم 72 على مستوى لبنان. أما الحكومة الـ73 والتي كانت برئاسة تمام سلام فلا تزال صاحبة الرقم القياسي، فهي احتاجت الى 11 شهرا لولادتها، متخطّية بذلك "الجاموسة" التي تحتاج الى 10 أشهر و10 أيام لخلفتها.
بعد حكومة سلام، جاء دور الحريري مجددا فشكّل الحكومة الأولى بعهد الرئيس ميشال عون بعد شهر ونصف على تكليفه، ومن ثم كما سبق وذكرنا احتاجت حكومته الثانية الى 9 أشهر لتبصر النور.
ليست الحكومات السريعة ناجحة، ولا التي تأخذ كامل وقتها لتولد ناجحة، ولا الحكومات المصغرة ناجحة ولا الحكومات الموسّعة ناجحة، فلبنان جرّب كل هذه الأنواع ووصل الى ما وصل اليه، ما يعني أنّ الحلّ لم يكن يوما بشكل الحكومات وعدد الوزراء فيها، إنما بنهج العمل المتّبع، فهل يتغير هذا النهج اليوم؟!.