اعتبر الكثيرون ان ما حصل مع رئيس الحكومة المكلف حسّان دياب هو بمثابة "ورقة لوتو" لانه ليس من المعهود خلال العقود الماضية في لبنان، ان يصل الى السراي الكبير من لا يتمتع بنفوذ حزبي مهم في الطائفة السنيّة، وبالتالي هي فرصة قد لا تتكرر ويجب عليه اغتنامها بأفضل طريقة ممكنة. في المقابل، هناك من اعتبر ان ما حصل هو اقرب الى "لعنة" حلت على هذا الاكاديمي الجامعي ولن تكون في صالحه خصوصاً وان متاريس عدة نصبت امامه من ابناء طائفته قبل غيرها، وهي كفيلة بمنعه من الوصول الى حياة سياسية يطمح اليها الكثيرون دون التمكن من تحقيقها.
ما من شك ان نجاح دياب في مهمّته الجديدة، سيرتد عليه بأكثر العوامل الايجابيّة التي يمكن ان تحصل، وذهب البعض الى حدّ الرهان ان تخطيه عقبة التأليف والحصول على تأييد دولي وتحقيق انجازات بسيطة في الاشهر الاولى من عمر الحكومة، سيحوّل رئيسها الى "سليم الحص" الثاني، بمعنى انه غير محسوب على حزب معيّن وهو بعيد عن التساؤلات والشكوك بالنسبة الى قضايا الهدر والفساد، كما انه سيحظى باحترام الجميع من داخل طائفته كما من خارجها. يحمل الحص لقب "ضمير لبنان"، وقد يحمله في المستقبل دياب او لقب آخر بات يحلو للبعض منذ الآن اطلاقه عليه وهو "منقذ لبنان". ليس من السهل مواجهة هذا التحدي، لان نتائجه اما سترفع دياب الى مصاف رجال الدولة الكبار في لبنان، واما ستضعه في خزانة التاريخ وتقفل الابواب عليه، وفي الحالتين سيكون للاعبين اللبنانيين الدور المهم في ترجيح الكفّة، فالموافقة الخارجية او عدمها على دياب، تحتاج الى وسائل تنفيذ ميدانيّة لا يمكن سوى للمعنيين اللبنانيين القيام بها. ليس على رئيس الحكومة المكلف ان يرتضي بنتائج البداية اياً تكن، لانّ المهم يبقى في المسار الذي سيأخذه وقدرته على مواجهة كل ما يحمله هذا البلد من ضغوط وتحدّيات في ظلّ ازمة لم يشهد لها مثيلاً.
منطقياً، لن يتمكن دياب من انقاذ البلد بالمعنى الحقيقي للكلمة في وقت قصير، اضافة الى ذلك، لن يسمح احد من المسؤولين السياسيين والحزبيين في ان يحصد وحده مكافآت ايّ انجاز سيحصل، وسيتم فرض شرط تقاسمه، اما الفشل حديث آخر حيث سيجد دياب نفسه وحيداً في هذه الساحة. المطلوب اولاً وقبل اي شيء آخر، ان يحصل على "قبول" كل المعنيين (مؤيّدين ومعارضين) وضع حدّ للمحسوبين عليهم في التصرف بحريّة مطلقة، اي بمعنى آخر يجب وقف مزاريب الهدر والفساد قبل الحديث عن معارك وهمية -وشبه مستحيلة- بزج الفاسدين والمرتكبين الى ايّ طائفة ومذهب ومرتبة انتموا، في السجون. واذا تم ذلك بالفعل، بالتزامن مع تأمين الركائز الاساسية للمطالب الحياتية اليومية للناس، وبعد رفع الحظر الاقتصادي والمالي عن اللبنانيين، فهذا الامر كفيل بايصال دياب الى مصاف المسؤولين السياسيين المميزين في الدولة اللبنانية، ويكون قد حصد في ايّام قليلة ما لم يتمكّن غيره من حصده على مدى عقود من الزمن.
ليس هناك من امر بسيط في لبنان، فعوامل بديهيّة كتأمين الكهرباء والمياه دون انقطاع، وتأهيل طرقات وبنى تحتية وغيرها من الامور، تعتبر انجازاً يجب الافتخار به في هذا البلد، مع العلم انه لن يمكن الاعتماد على الشعارات التي يطلقها الجميع ولا ينفذها سوى القليلون فقط. حسّان دياب امام التحدي، فإما ان يحسن استغلال الفرصة وطريقة لعبه الاوراق التي يملكها وفي مقدمها الدعم الكبير لاحزاب وتيارات اساسية، واما ان يهزم امام شريحة اخرى من التيّارات والاحزاب التي يهمّها ألاّ تبرز شخصيّة من خارج نادي الاحزاب والسياسة كي تبقى الساحة خالية لصراع المسؤولين السياسيين والحزبيين فقط لا غير.